دراسة تحليلية للقضاء المصري في دعاوى بطلان أحكام المحكمين

دراسة تحليلية للقضاء المصري في دعاوى بطلان أحكام المحكمين


د . محمد عبد الرءوف علي



مقدمة
أضحي التحكيم أحد أهم وسائل حسم المنازعات التجارية ليس فقط على الصعيد الدولي بل أيضاً على الصعيد المحلي وذلك لما تتمتع به هذه الوسيلة من مزايا تستند في أساسها إلى مبدأ سلطان الإرادة .



فالتحكيم وسيلة قائمة على الرضاء قوامها اتفاق الأطراف على استبعاد اللجوء للقضاء الوطني وعرض النزاع على القضاء التحكيمي .



ولعل أهم مزايا التحكيم كوسيلة لحسم الخلافات أن الحكم الصادر في موضع الدعوى التحكيمية يتمتع بالنهائية Finality فينهي الخصومة بين الأطراف ويجوز الحجية ويعتبر عنواناً على الحقيقة مثله مثل الأحكام الصادر من القضاء الوطني .



بيد أن حكم التحكيم يختلف عن أحكام القضاء في أمر هام، فوفقاً للاغلب الأعم من ا لتشريعات الوطنية المنظمة للتحكيم، لا يجوز استئناف أحكام التحكيم، أي أنه لا يجوز عرض موضع النزاع مرة أخرى على القضاء، الذي يقتصر دوره على مراقبة حكم التحكيم من حيث الشكل والإجراءات، وليس هذا الاختلاف بغريب عن وسيلة أساسها الاتفاق والرضاء .



فطالما وافق الأطراف على التحكيم وتم اختيار هيئة التحكيم والقواعد المطبقة على الإجراءات والقانون الذي يحكم الموضوع، يكون من الطبيعي أن يتمتع الحكم الصادر في الدعوى التحكيمية بالحجية والنهائية التي تحول دون إعادة طرح موضوع النزاع على القضاء سواء في مرحلة الطعن على الحكم أو أثناء اتخاذ إجراءات تنفيذه .



غير أن نهائية حكم التحكيم لا تعني غلق جميع الأبواب أمام الاعتراض عليه بواسطة الأطراف، فيصبح بذلك كخصنا سواء حالفه أو جانبه الصواب. فقد أجازت جميع التشريعات المنظمة للتحكيم طرقاً للطعن على حكم التحكيم لأسباب محددة نصون حق الأطراف في الاعتراض على حكم التحكيم وتضمن في ذات الوقت عدم المساس بحجية حكم التحكيم أو نهائيته .



وفي مصر، أدرك المشرع أهمية التحكيم كوسيلة لحسم المنازعات وضرورة تشجيعه وتطوير دوره لتشجيع وحماية الاستثمارات الوطنية والأجنبية، تلبية لمقتضيات التجارة ومتطلبات الاستثمار وتماشياً مع سياسات الاقتصاد الحر .





* محام، شريك بمكتب عبد الرءوف للمحاماة والاستشارات القانونية ـ القاهرة











فمنذ عام 1994م تبني المشرع المصري قانوناً عصرياً للتحكيم















(القانون رقم 27 لسنة 1994م)، استقي



أحكامه من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (UNCITRAL) في عام 1985م. وتسوي أحكام القانون المصري على كل تحكيم يجري في مصر وكذلك على كل تحكيم تجاري دولي يجري في الخارج إذا اتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون .



وليس هنا المجال لإبراز مزايا هذا القانون العصري أن التحدث عن دورة في تشجيع التحكيم كوسيلة لحسم الخلافات، فقط نشير إلى أنه اعترف بحجية أحكام المحكمين، إذ نص على أنها تحوز حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ (مادة 55)، كما اعترف بنهائية حكم التحكيم، إذ نص على أنه لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكامه الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية (مادة 52/1) .



كما رسم القانون المصري للتحكيم حدود العلاقة بين القضاء والتحكيم في سبيل تحقيق الهدف المشترك والأسمى ألا وهو تحقيق العدالة. فالقضاء يلعب دوراً جوهرياً في إجراءات التحكيم يكفل له ليس فقط معاونة التحكيم بل أيضاً الرقابة على أحكامه. وبدون هذا الدور الهام يفقد اتفاق التحكيم فعاليته ويصبح حكم التحكيم خبراً على ورق .



فإذا كان التحكيم قد نشأ كبديل للقضاء، فإنه لا يمكن أن يعيش بدون معاونة القضاء الذي قد يلجأ إليه أطراف التحكيم منذ مرحلة تشكيل هيئة التحكيم وأثناء نظر الدعوى التحكيمية، مروراً بإصدار حكم التحكيم والطعن عليه ووصولاً إلى تنفيذه. وفي هاتين المرحلتين الأخيرتين يتحول دور القضاء من مجرد معاون أو مساعد للعملية التحكيمية إلى مراقب ومعقب على أحكام المحكمين، وفي هذا ضمان لسلامة إجراءات التحكيم وحقوق أطرافه المشروعة .



هذا وقد قصر القانون المصري للتحكيم طرق الاعتراض على حكم التحكيم على وسيلة وحيده، إذ أجاز فقط رفع دعوى بطلان ضد حكم التحكيم (مادة 52/2) استنادا إلى أسباب أوردتها المادة (53) من القانون على سبيل الحصر بحيث لا يجوز القياس عليها .



وقد أناط المشرع المصري نظر دعاوى البطلان المقامة ضد أحكام التحكيم بمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، وذلك بالنسبة للتحكيمات الوطنية، بينما جعل هذا الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة بالنسبة للتحكيمات التجارية الدولية التي تجري في مصر أو في الخارج (مادة 54/2).



ومنذ صدور القانون المصري للتحكيم، توالت على القضاء الوطني دعاوى بطلان عديدة أقيمت ضد أحكام المحكمين المحلية أو الدولية، قال فيها القاضي الوطني كلمته في ضوء الحجج المقدمة إليه ووفقاً لتفسيره لأسباب البطلان الواردة في القانون. وتعتبر أحكام القضاء الوطني الصادرة بشأن هذه الدعاوى مصدراً هاماً للتعرف على أهم التفسيرات الإجتهادات القضائية والمشاكل العملية في هذا المجال .



وتجئ هذه الدراسة في محاولة للتعرض، للمرة الأولى على حد علمنا، لهذه الأحكام بالبحث والتأصيل للتعرف على أهم اتجاهات القضاء المصري بشأن دعاوى بطلان أحكام المحكمين .



وقبل التعرض لهذا القضاء بالدراسة والتحليل، نجده لزاماً علينا أن نشير إلى بعض المعطيات الأولية اللازمة لتحديد ليس فقط منهج الدراسة بل أيضاً كيفية الاستفادة منها .



المعطيات



تقوم هذه الدراسة على تحيلي عينة مكونة من خمسة وثلاثين (35) حكم قضائي غير منشور صادر من القضاء المصري، وبصفة أساسية محكمة استئناف القاهرة، في شأن دعاوى بطلان مقامة ضد أحكام تحكيم محلية ودولية.، مؤسسية وخاصة، صادرة في مصر أو في الخارج .



وهذا العدد وإن كان قليلاً إلا أنه في نظرنا يعد كافياً للتعرف على اتجاهات القضاء الوطني في مجال دعاوى البطلان، خاصة بالنظر إلى أن جميع هذه الأحكام قد صدر في ظل قانون التحكيم المصري رقم 27/1994م، أي أنها تمثل التطبيق القضائي لهذا القانون الذي أصبح نافذاً منذ ثماني أعوام فقط. لذا، لن تشمل هذه الدراسة الأحكام الصادر قبل صدور قانون التحكيم، أي أثناء فترة العمل بنصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية (الملغاة) المتعلقة بالتحكيم.



كما يجب أن نؤكد أن الهدف من هذه الدراسة ليس استخلاص مبادئ بالمعنى الدقيق للمصطلح، من واقع الأحكام القضائية موضوع الدارسة، بل مجر اتجاهات، فنهاك صعوبة للتحدث عن مبادئ في ظل أحكام صادرة من محاكم الاستئناف وليس محكمة النقض المنوط بها اعتناق المبادئ القانونية وإرساء السوابق القضائية .



إذا وضعنا هذه المعطيات في الاعتبار، يمكننا تحليل القضاء المصري في دعاوى بطلان أحكام المحكمين. وفي سبيل دلك، سنقسم هذه الدراسة إلى قسمين نتعرض في القسم الأول لأهم ما ينطق به التحليل الرقمي والإحصائي للأحكام القضائية موضوع الدراسة، فيما أطلقنا عليه حديث الأرقام، أما القسم الثاني فنتناول فيه أهم نتائج التحليل القانوني لهذه الأحكام من خلال ما أطلقنا عليه حديث القانون .















أولاً : حديث الأرقام



يمكننا من واقع تحليل الأحكام محل هذه الدراسة والمكونة من خمسة وثلاثين حكماً قضائياً أن نخرج ببعض المعلومات والبيانات الإحصائية المفيدة واليت تتعلق بعدد حالات بطلان أحكام المحكمين أو رفض الدعاوى المقامة ضدها، أيضاً عدد أحكام التحكيم الدولية والمحلية وكذلك عدد أحكام التحكيم المؤسسية والخاصة، فضلاً عن عدد أحكام التحكيم الصادرة استناداً إلى شرط تحكيم مقارنة بتلك التي صدرت استناداً لمشارطة تحكيم، هذا بخلاف بعض البيانات الأخرى والي سنشير إلها بعد توضيحها في الجداول التوضيحية التالية :



جدول ( 1 )



35 حكم







الموضوع

بطلان

رفض ـ عدم قبول ـ عدم اختصاص

تحكيم دولي

تحكيم محلي

تحكيم مؤسسي

تحكيم خاص

شرط تحكيم

مشارطة تحكيم



عدد الأحكام

14

21

16

19

16

19

22

13



النسبة المئوية

40%

60%

46%

54%

46%

54%

63%

37%





هذا الجدول يشير إلى الحقائق التالية :



ـ من أصل 35 حكم، قضى 14 حكماً ببطلان حكم التحكيم، بنسبة 40% بينما قضى 21 حكماً برفض دعوى البطلان أو بعدم قبولها أو إحالتها لعدم الاختصاص، بنسبة 60%. (أي أن الأحكام التي أبطلت حكم التحكيم لا تتجاوز نسبة 40% من إجمالي الأحكام موضوع الدراسة).



ـ من أصل 35 حكم، هناك 16 حكم تحكيم دولي، بنسبة 46%، بينما هناك 19 حكم تحكيم محلي، بنسبة 54% .



ـ من أصل 35 حكم، هناك 16 تحكيم مؤسسي صادر وفقاً لقواعد إحدى المؤسسات التحكيمية، بنسبة 46% منها 12 حكم صادر من مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي وفرعه مركز الإسكندرية للتحكيم البحري و4 أحكام من غرفة التجارة الدولية (ICC)، بينما هناك 19 حكم تحكيم خاص، بنسبة 54%.



ـ من أصل 35 حكم ، هناك 22 حكم تحكيمي صادر طبقاً لشرط تحكيم مدرج في عقد مبرم بين أطرافه قبل نشوء النزاع، بنسبة 63%، بينما هناك 13 حكم تحكيم صادر طبقاً لمشارطة تحكيم موقعه بين أطرافها بعد نشوء النزاع، بنسبة 37%.







جدول ( 2 )



حالات البطلان 14 حكم







نوع التحكيم

تحكيم دولي

تحكيم محلي

تحكيم مؤسسي

تحكيم خاص



عدد الأحكام

7

7

7

7



النسبة المئوية

50%

50%

50%

50%





هذا الجدول يشير إلى الحقائق التالية :



من أصل 14 تحكم قضى ببطلان حكم التحكيم .



ـ هناك 7 تحكيمات دولية 7 تحكيمات محلية بنسبة 50% لكل منهما .



ـ هناك 7 تحكيمات مؤسسية و 7 تحكيمات خاصة بنسبة 50% لكل منهما .







جدول ( 3 )



حالات رفض أو عدم قبول دعوى البطلان 21 حكم







نوع التحكيم

تحكيم دولي

تحكيم محلي

تحكيم مؤسسي

تحكيم خاص



عدد الأحكام

9

12

9

12



النسبة المئوية

43%

57%

43%

57%





هذا الجدول يشير إلى الحقائق التالية :



من اصل 21 حكم قضى برفض دعوى البطلان أو بعدم قبولها :



ـ هناك 9 تحكيمات دولية بنسبة 43% و12 تحكيم محلي بنسبة 57% .



ـ هناك 9 تحكيمات مؤسسية بنسبة 43% و 12 تحكيم خاص بنسبة 57% .



بعبارة أخرى، طبقاً للجداول 1 و 2 و 3، يبين لنا أنه :



ـ من ضمن 16 حكم تحكيم دولي، تم القضاء ببطلان 7 أحكام بنسبة 44% ورفضت الدعوى بالنسبة ل9 أحكام بنسبة 56%، بينهما من ضمن 19 حكم تحكيم محلي تم القضاء ببطلان 7 أحكام بنسبة 37% ورفضت الدعوى بنسبة ل 12 حكم بنسبة 63% .







جدول ( 4 )



التحكيمات المؤسسية 16 حكم







المؤسسة التحكيمية

بطلان

رفض

إجمالي



مركز القاهرة الإقليمي

5

7

12



غرفة التجارة الدولية

2

2

4





هذا الجدول يشير إلى الحقائق التالية :



ـ من أصل 12 حكم تحكيم صادر من مركز القاهرة وفرعه مركز الإسكندرية البحري، هناك 5 أحكام قضى ببطلانها بنسبة 42% بينما هناك 7 أحكام رفضت دعوى البطلان المقامة ضدها بنسبة 58%.



ـ من أصل 4 أحكام تحكيم صادرة من غرفة التجارة الدولية، هناك حكمان قضى ببطلانهما بنسبة 50%، بينما هناك حكمان رفضت دعوى البطلان المقامة ضدهما، بنسبة 50% .



بالإضافة للمعلومات المذكورة عالية، تشير الأحكام موضوع هذه الدراسة إلى أن المنازعات المقام بشأنها الدعاوى التحكيمية قد شملت أنواع العقود التالية :



تصميم وتشغيل مصنع ـ تعبئة أدوية ـ خدمات بترولية ـ توريد قطع غيار ـ توريد محطات كهربائية ـ مقاولة وإنشاء ـ تأمين ـ إيجار فندق ـ وكالة تجارية ـ مشارطة إيجار سفينة ـ تصميم وتطوير برامج حاسب آلي ـ إدارة فندق ـ بيع أجهزة حاسب آلي وتصميم موقع على الإنترنيت ـ تصميم استشاري هندسي ـ بيع عقار ـ شراء أسهم .



إذ انتهينا من عرض وتوضيح أهم ما يمكن استخلاصه من بيانات من واقع أحكام القضاء سالف الإشارة إليها، يمكننا أن نتعرف على اتجاهات هذا القضاء فيما يتعلق بأسباب قبول أو رفض دعاوى البطلان أحكام المحكمين .



ثانياً : حديث القانون



نص قانون التحكيم المصري في المادة (53/1) على أنه :



"لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية :



أ- إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان اتفاق التحكيم باطلاً أو قابلاً للإبطال أو سقط بانتهاء مدته.



ب- إذا كان أحد طرفي التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته .



ج-إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته .



د- إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع .



و- إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها .



ز- إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم".



كما نصت الفقرة (2) من المادة(53) على وجوب أن تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية (مادة53/2).



وتتعلق هذه الحالات بالشكل وليس بالموضوع، إذ أنها تتناول اتفاق التحكيم والأهلية اللازمة لإبرامه واحترم حقوق الدفاع ومبدأ سلطان الإرادة، فيما يتعلق بالقانون الواجب تطبيقه على موضوع النزاع، وصحة تشكيل هيئة التحكيم والتقيد بحدود المسائل الواردة في اتفاق التحكيم، وكذلك صحة حكم التحكيم وإجراءاته التي من شأنها أن تؤثر في الحكم، هذا فضلاً عن وجوب عدم مخالفة حكم التحكيم للنظام العام في مصر.



ودعوى البطلان كما أسلفنا لا تجيز إعادة طرح موضوع النزاع أمام القضاء الوطني، إذ أن في ذلك مساس بنهائية حكم التحكيم وبحجيته المعرف بهما في القانون المصري. بيد أن التحقق من توافر هذه الحالات من عدمه قد يؤدي عملاً إلى استدراج القاضي الوطني للخوض في الموضوع الأمر الذي لا تجيزه النصوص ولم يقصده المشرع .



فهناك خط رفيع بين الإجراءات والموضوع وعلى القاضي الوطني، مهما بلغت الحجج القانونية المثارة أمامه من الطرف خاسر الدعوى التحكيمية وطالب البطلان، ألا ينساق للتعرض لموضوع النزاع وأن يكتفي بالتحقق من صحة الشكل والإجراءات في إطار دوره الرقابي على أحكام المحكمين .



من هنا كانت أهمية تحليل الأحكام الصادر من القضاء بشأن دعاوى البطلان للتعرف على أهم الاتجاهات في هذا المجال، وهذا ما سنعرض له في هذا القسم من الدراسة فنفرق بين أهم حالات بطلان



حكم التحكيم وأهم حالات رفض أو عدم قبول دعوى البطلان، وذلك في ضوء أحكام محاكم الدرجة الثانية المصرية، وبصفة خاصة تلك الصادرة من محكمة استئناف القاهرة .



1) أهم حالات بطلان حكم التحكيم



سبق وأن أوضحنا أن عدد الأحكام التي قضت ببطلان حكم التحكيم بلغت 14 حكماً من أصل 35 حكم، أي بنسبة 40% من إجمالي الأحكام موضوع هذه الدارسة. هذه النسبة تعد في نظرنا عادية بالنظر إلى حداثة القانون الذي صدرت هذه الأحكام إعمالاً لنصوصه. وما يعنينا في المقام الأول هو معرفة الأسباب التي استند إليها القاضي الوطني للقضاء بالبطلان .



وبدراسة الأحكام التي قضت بالبطلان، يمكننا أن تعرض أسباب بطلان أحكام التحكيم بترتيب أهميتها على النحو التالي :-



1ـ حالة ما إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم، وهي الحالة المنصوص عليها في الفقرة (ز) نم المادة (53). فقد قضى ببطلان حكم التحكيم استناداً لهذه الحالة في أربع دعاوى بطلان، ونظراً لما تتسم به الفقرة المذكورة من شمول وعمومية، نشير إلى أنه، طبقاً لأحكام القضاء، يدخل فيا لسبب الوارد بهذه الفقرة الحالات الآتية:



أ-خلو حكم التحكيم من البيانات التي أوجب القانون أن يشتمل عليها، ومنها صورة من اتفاق التحكيم (مادة 43/3)1.



ب- عدم تسبيب الحكم رغم عدم اتفاق الأطراف على ذلك، بالمخالفة لنص المادة (43/2)2 .



ج‌- إصدار الحكم بدون مداولة بالمخالفة لنص المادة (40)3 .



د‌- عدم إثبات أسباب عدم توقيع الأقلية في حكم التحكيم الصادر بالأغلبية، بالمخالفة لنص المادة (43/1)4 .



هـ- عدم إخطار أحد أطراف التحكيم بمواعيد الجلسات والاجتماعات (المعاينات)، بالمخالفة لنص المادة (33/2)5 .











1 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 23/3/2000م، شركة العبوات الدوائية ضد شركة مزرعة إتش– تو.



2 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 23/3/2000م، شركة العبوات الدوائية ضد شركة مزرعة إتش– تو.



3 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (63) تجاري، جلسة 20/12/1995م.



4 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (63) تجاري، جلسة 20/12/1995م.



5 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 20/7/1999م، شركة تيرانا للاستثمار السياحي ضد المكتب الهندسي المهندسون الاستشاريون (ايهاف) .



























































و- عدم إتباع إجراءات التحكيم المنصوص عليها في المادتين (30) و(31) من القانون بما يؤثر في الحكم (عدم إرسال بيان الدعوى أو مذكرة الدفاع أو صورة مما يقدمه أحد الطرفين إلى هيئة التحكيم إلى الطرف الآخر)6 .



2ـ يلي هذا السبب في الأهمية ذلك الخاص باستبعاد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، وهو اسبب المنصوص عليه في الفقرة (د) من المادة(53) .



فقد قضي ببطلان حكم ا لتحيكم استناداً لهذه الفقرة في ثلاث دعاوى بطلان. وتدر الإشارة إلى أن هذا السبب غير منصوص عليه في قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي استقى منه القانون المصري للتحكيم أحكامه .



وفي دعويين من الدعاوى الثلاثة، ذهبت محكمة استئناف القاهرة إلى أن العقد موضوع النزاع كان عقداً إدارياً وبالتالي قضت ببطلان حكم التحكيم تأسيساً على استبعاد القانون الإداري المصري الواجب التطبيق ـ وفقاً للمحكمة ـ بدلاً من القانون المدني الذي طبقته هيئة التحكيم. وتجدر الإشارة إلى أن الأطراف في هاتين الدعويين كانا قد اتفقا على تطبيق ا لقانون المصري على موضوع النزاع دون تحديد ما إذا كان المقصود هو القانون المدني المصري أم القانون الإداري 7 .



أما في الدعوى الثالثة، فقد قضى ببطلان حكم التحكيم لاستبعاده تطبيق القانون المدني المصري تأسيساً على أنه لم يقم باحتساب الفوائد وفقاً لأحكامه، بل اعتمد في حسابها على معيار LIBOR8 .



ويمكننا أن نلاحظ هنا أن القاضي المصري يستند لهذه الحالة في قضائه بالبطلان ليس فقط حال استبعاد القانون المتفق على تطبيقه بل أيضاً حال تطبيق هذا القانون تطبيقاً غير صحيح (Application erronee).



3- أما السبب الثالث من أسباب البطلان بترتيب أهميتها، فهو ذلك المتعلق بتشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين، هو السبب المنصوص عليه في الفقرة (هـ) من المادة(53) .



ففي دعويين قضي ببطلان حكم التحكيم تأسيساً على مخالفة تعيين المحكمين للقانون، سواء لقيام أحد الطرفين بتعيين محكم كان من قبل محامياً أو وكيلاً عنه9 ، أو لتعيين المحكمين بموجب أمر على عريضة



6 محكمة استئناف القاهرة، دائرة(8) تجاري، جلسة 22/4/1998م، شركة Z.. S. E. التشيكية ضد هيئة الكهرباء الريف .



7 استئناف القاهرة، دائرة (7) تجاري، جلسة 7/9/1999م، هيئة النقل العام ضد شركة ايتالورك الإيطالية .



8 محكمة القاهرة، دائرة (64) تجاري، جلسة 30/7/2001م، الشركة القومية للأسمنت ضد شركة دويش بابكوك وآخري.



9 محكمة استئناف القاهر، دائرة (50) تجاري، جلسة 25/11/1998م، شركة السويس الدولية للملابس ضد شركة انتركو الإيطالية .



































4







وليس بحكم صادر في دعوى أقيمت بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى بالمخالفة لمفهوم وتفسير القاضي للإجراءات التي رسمتها المادة (17) من القانون 10 .



4- أما السبب الرابع من أسباب البطلان، فهو ذلك المتعلق بفصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو تجاوز الحكم حدود هذا الاتفاق، وهو السبب المنصوص عليه في الفقرة (و) من المادة (53).



ففي دعويين قضى ببطلان حكم التحكيم تأسيساً على فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، سواء لأن هيئة التحكيم قضت ببطلان العقد في حين كان اتفاق التحكيم يشمل فقط تفويض هيئة التحكيم في تقدير الخسائر والتعويضات دون القضاء بالالتزام11 ، أو لأن هيئة التحكيم قضت في منطوق الحكم ضد الشركة لم تكن طرفاً في اتفاق التحكيم، بل اعبترتها هيئة التحكيم، في أسباب حكمها، خصماً متدخلاً انضمامياً12 .



5- أما السبب الخامس من أسباب البطلان، فهو ذلك المتعلق بحالة عدو وجود اتفاق تحكيم أو إذا كان هذا الاتفاق باطلاً أو قابلاً للإبطال أو سقط بانتهاء مدته، وهو السبب المنصوص عليه في الفقرة (ا) من المادة (53) .



ففي إحدى الدعاوى، قضى ببطلان حكم التحكيم لبطلان اتفاق التحكيم تأسيساً على أن مشارطة التحكيم لم تحدد المسائل التي يشملها التحكيم، بالمخالفة لنص المادة 10/2) من القانون13 .



كما قضى في دعوى أخرى ببطلان حكم التحكيم لاستناده إلى شرط تحكيم "زال ولم يعد موجوداً" نتيجة التنازل عنه ضمنا بالمثول أمام القضاء وتقديم طلب عارض دون الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيم. وأوضحت المحكمة في هذا الحكم الهام أنه يترتب على زوال شرط التحكيم بالنزول عنه أن "يعود الاختصاص بنظر النزاع إلى المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة" بما لا يجوز معه اللجوء للتحكيم مرة أخرى، إذ يلزم لإحياء وجود شرط التحكيم المتنازل عنه اتفاق تحكيم جديد14 .







10 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (91) تجاري، جلسة 26/6/2002م، شركة النصر للإسكان والتعمير وصيانة المباني ضد مؤسسة جمال أبو الفتوح للمقاولات والاستيراد والتصدير والتوكيلات التجارية .



11 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 23/9/1998م، شركة مصر للتأمين ضد شركة نفتيس التجارية.



12 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (7) تجاري، جلسة 9/1/2001م، الشركة القومية للسياحة والفنادق ضد الشركة المصرية للسياحة والفنادق (إيجوث) وشركة شيراتون أو فر سيز .



13 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (7) تجاري، جلسة 7/9/1999م، أحمد إمام غريب ضد عبد العزيز رزق .



14 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (7) تجاري، جلسة 7/12/1999م، الشركة الأهلية للعجائن والحلويات ضد محمد العطافي سنبل ,









































6- أما السبب السادس من أسباب البطلان، فيتعلق بتضمن حكم التحكيم ما يخالف النظام العام في مصر، وهو السبب المنصوص عليه في الفقرة (2) من المادة (53)، وهي الحالة الوحيدة التي يجب أن تقضي فيها المحكمة بالبطلان من تلقاء نفسها حتى ولو لم يثرها الأطراف .



ففي إحدى الدعاوى، قضي ببطلان حكم التحكيم جزئياً لتصمنه ما يخالف التزام العام في مصر تأسيساً على أن حكم التحكيم قضي بالتعويض ألاتفاقي طبقاً للشرط الجزائي الوارد في العقد بعد أن قضى



بفسخ العقد، وقد أكد هذا القضاء على أن تقرير الحق في التعويض ألاتفاقي أو الشرط الجزائي يعد طبقاً لنص المادتين (223) و(224) من القانون المدني، من النظام العام. وأوضحت المحكمة أنه كان يتعين على هيئة التحكيم قانوناً أن ترفض طلب التعويض ألاتفاقي المنصوص عليه بالعقد إذ أنها قضت بفسخ العقد فسقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد وسقط معه الالتزام الفرعي، أي الشرط الجزائي15 .



إذا كانت هذه الحالات تمثل أهم أسباب بطلان أحكام التحكيم في ضوء أحكام القضاء موضوع هذه الدارسة، فلا بد أن نشير إلى أن هناك سبب من بين الأسباب المنصوص عليها في القانون لم يتم الاستناد إليه في هذه الأحكام، أما لعدم إثارته من جانب طلب البطلان أو لرفضه بواسطة المحكمة التي تنظر الدعوى. وهذا السبب يتعلق بأهلية إبرام اتفاق التحكيم وفقاً للفقرة (ب) من المادة (53/1) .



بهذا نكون قد تعرضنا لأهم أسباب بطلان أحكام التحكيم ويبقى لنا أن نتناول بالتحليل أهم أسباب رفض أو عدم قبو لدعوى بطلان حكم التحكيم .



2) أهم حالات رفض أو عدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم :



سبق وأن أوضحنا أن عدد الأحكام التي قضت برفض أو بعدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم بلغت 21 حكماً من أصل 35 حكم، أي بنسبة 60% من إجمالي الأحكام موضوع هذه الدراسة. ونود أن نوضح أن هذا العدد يشمل أيضاً تلك الأحكام التي قضت بعدم الاختصاص والإحالة للمحكمة المختصة .



وقبل أن نتعرض بالتحليل لهذه الأحكام، لنا وقفه مع المصطلحات المستخدمة في منطوقها، فرغم أن المادة (53/1) من قانون التحكيم تتحدث عن عدم قبول الدعوى، نجد أن الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف تستخدم قانون مختلفة حال عدم توافر أسباب البطلان، فتارة يقضي الحك برفض الدعوى وتارة أخرى يقضي بعدم القبول، ولا نعرف، أي مبرر لهذا الاختلاف. وأياً ما كان الأمر فالنتيجة واحدة وهي تحصن حكم التحكيم .



وبدراسة الأحكام، يمكننا أن نتعرف على أهم الأسباب التي استند إليها القضاء المصري في سبيل عدم قبول دعاوى بطلان أحكام التحكيم، وذلك على النحو التالي :









15 محكمة استئناف الإسكندرية، دائرة (6) تجاري، جلسة 22/7/2002م، شركة الإسكندرية للمشروعات السياحية والعمرانية والصناعية والتعدينية ضد شركة مصر اكستريور للاستثمارات المالية .

















1ـ أهم سبب من أسباب عدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم هو ما استندت إليه أغلب الأحكام من أن ما يثيره طالب البطلان لا يعتبر من حالات البطلان المنصوص عليها على سبيل الحصر في المادة (53) من القانون. وبالتالي لا يوجد أي أساس قانوني للقضاء بالبطلان.



ويندرج تحت هذا السبب الادعاءات التالية، والتي يرفضها القضاء :



أ‌- وقوع تناقض في حكم التحكيم .



ب‌- الفساد في الاستدلال والقصور في تسبيب حكم التحيكم16 .



ج- وجود أخطاء حسابية في حكم التحكيم17 .



د- مخالفة حكم التحكيم الثابت في الأوراق .



هـ- غموض منطوق حكم التحكيم18 .



و- عدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع19 .



فعلى حد تعبير محكمة استئناف القاهرة في العديد من أحكامها، تتضمن هذه الأسباب "تعييبا لقضاء التحكيم عن طريق ادعاءات تتعلق بفهم واقع الدعوى ومستنداتها وحكم القانون فيها وذلك كله مما يخرج عن أسباب البطلان التي حددها القانون على سبيل الحصر"20. "ولا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها"21 .



16 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (63) تجاري، جلسة 7/4/1999م، شركة المتحدون للرخام والجرانيت ضد مؤسسة الكرنك للمنشأت المعدنية .



17 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (63) تجاري، جلسة 7/4/1999م، شركة المتحدون للرخام والجرانيت ضد مؤسسة الكرنك للمنشأت المعدنية .



18 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 23/4/2001م، وزير الثقافة بصفته رئيس المجلس الأعلى للآثار وصندوق إنقاذ آثار النوبة ضد مجموعة النيل للتنمية والاستثمار وكيل شركة جلتسبر سيلفر نايت الإنجليزية .



19 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (50) تجاري، جلسة 15/11/2000م، شركة المشروعات الصناعية والهندسية ضد شركة النقل المباشر، وفي هذا تقول المحكمة " أناط المشرع بهيئة التحكيم الفصل في الدفوع بعدم اختصاصها ولم يجعل لحكمها في هذا الصدد سبيلاً للطعن على الحكم لتعلقه بالاختصاص وليس بأحد حالات البطلان المنصوص عليها في المادة (53) (...) بما يمتنع على المحكمة التعرض هله مرة أخرى بعد أن فصلت فيه هيئة التحكيم برفضه" .



20 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (63) تجاري، جلسة 23/4/1997م، شركة ابيكس مارين ضد شركة سيتي جرين "روبير استيتي فهمي وشركاه"- أنظر في ذات المعنى، محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 23/4/2001م، وزير الثقافة بصفته رئيس المجلس الأعلى للآثار وصندوق إنقاذ آثار النوبة ضد مجموعة النبيل للتنمية والاستثمار وكيل شركة جلتسبر سيلفر نايت الإنجليزية، كذلك، محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 20/11/2001م، الشركة المصرية العربية للاستثمار والتنمية (ايفادكو) ضد الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق وشركة الفنادق المصرية.



21 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (50) تجاري، جلسة 31/12/1997م، مؤسسة المنارة التجارية ضد شركة معوض الوطنية للمجوهرات والساعات .























































كما أن هذه الادعاءات "تتعلق بموضوع الحكم المطعون فيه وليس بالإجراءات"22. فضلاً عن أنها "لا تدخل ضمن أحوال البطلان التي حددتها المادة (53) من قانون التحكيم على سبيل الحصر (...) وتحاول تغييب الحكم المطعون فيه من حيث قضائه في موضوع النزاع"23.



2- يلي هذا السبب في الأهمية ذلك المتعلق بالمادة (8) من قانون التحكيم، والتي تنص على أنه: "إذا استمر أحد طرفي النزاع في إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط في اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته ولم يقدم اعتراضا على هذه المخالفة في الميعاد المتفق عليه أو في وقت معقول عند عدم الاتفاق، اعتبر ذلك نزولا منه عن حقه في الاعتراض" .



وفي تفسير هذا النص تقول محكمة استئناف القاهرة في أحد أحكامها أنه "من المقرر قانوناً (...) أن سكوت الخصم عن الاعتراض على الإجراءات مع قدرته على إبدائه يعد قبولاً ضمنياً بصحة الإجراء" وبالتالي قضت المحكمة برفض هذا السبب تأسيساً على أن "الشركة المدعية تدعي إخلال حكم هيئة التحكيم بحق الدفاع وإهدارها لمبدأ المساواة لم تقم بإبداء ثمة اعتراض أمام الهيئة على المخالفة المدعى بها"24 .



وطبقاً لقضاء محكمة استئناف القاهرة، يسري حكم المادة (8) المذكورة على الحالات الآتية :



أ‌- عدم الاعتراض على تعيين أحد المحكمين25 .



ب‌- عدم الاعتراض على انتهاء مدة التحكيم 26 .



ج- عدم الاعتراض على وجود مستندات محررة بلغة أجنبية (لغة التحكيم)27 .







22 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (62) تجاري، جلسة 5/5/199م، بنك فيصل الإسلامي المصري ضد الشركة الهندسية لخدمات لتشييد.



23 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (63) تجاري، جلسة 20/12/1995م .



24 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 23/1/2002م، الشركة العالمية للبرامج ضد د.م. نبيل علي .



25 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 20/11/2000م، الشركة المصرية العربية للاستثمار والتنمية (ايفادكو) ضد الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق وشركة الفنادق المصرية، أنظر في ذات المعنى، محكمة استئناف القاهرة، دائرة (7) تجاري، جلسة 7/9/1999م، شركة كارجيل الدولية – جنيف ضد الهيئة العامة للبترول .



26 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (8) تجاري، جلسة 20/11/2000م الشركة المصرية العربية للاستثمار والتنمية (ايفادكو) ضد الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق وشركة الفنادق المصرية، أنظر في ذات المعنى، محكمة استئناف القاهرة، دائرة (62) تجاري، جلسة 5/5/1999م، شركة مصر العليا للمقاولات العامة ضد الجمعية التعاونية للإسكان لأعضاء نقابة التجاريين .



27 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (50) تجاري، جلسة 2001م، شركة انترناشيونال فرع مصر ضد شركة الفاكيم للصناعات الدوائية المتطورة (اكابي) .



































3- وأيضاً من الأسباب الهامة لعدم قبو لدعوى البطلان، أن الإجراءات التحكيم لم يشبها أي بطلان، إذ تم إعلان الأطراف إعلاناً قانونياً صحيحاً ولم يتعذر على طالب البطلان تقديم دفاعة أو مستندات لأسباب لا علاقة لها بها28 .



4- كما قضى القضاء المصري برفض دعوى البطلان استناداً إلى أن حكم التحكيم لم يتضمن ما يخالف النظام العام في مصر عندما قضى بفوائد قانونية تجاوز الحد الأقصى لفوائد التأخير القانونية، إذ أن الأطراف اتفقا على تفويض هيئة التحكيم بالصلح، وبالتالي يجوز لها أن تقضي في موضوع النزاع على مقتضى قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بالقانون29 .



5- كما قضى بعدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم لسقوط الحق في الدعوى لرفعها بعد الميعاد المنصوص عليه في المادة (54/1) من قانون التحكيم، أي بعد التسعين يوماً التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه30 .



6- كذلك قضى برفض دعوى بطلان حكم التحكيم التي تستند إلى اتحاد جنسية المحكم الوحيد مع جنسية المحامي أحد الأطراف، تأسيساً على أن المقرر قانوناً أن المحامي لا يعتبر طرفاً في الخصومة التي وكل فيها لأن طرف الخصومة هو الخصم الذي يمثله المحامي، ومن ثم تكون دعوى البطلان مقدمة على غيري سند من صحيح القانون أو الوقائع خليقة بارفض31 .



7- وأخيراً قضت محكمة استئناف القاهرة بعدم الاختصاص والإحالة طبقاً لنص المادة (54/2) من القانون التي جعلت الاختصاص بنظر دعاوى بطلان أحكام التحكيم المحلية، التي لا علاقة له













28 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (50) تجاري، جلسة 29/3/2000م، الشركة القابضة للصناعات الغذائية ضد جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع .



29 محكمة استئاف القاهرة، دائرة (62) تجاري، جلسة 5/5/1999م، بنك فيصل الإسلامي المصري ضد الشركة الهندسية لخدمات التشييد .



30 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (62) تجاري، جلسة 9/7/1997م، جمعية الرواد التعاونية لبناء المساكن ضد شركة كايول آند كومباني الفرنسية .



31 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (50) تجاري، جلسة 15/6/1996م، جماعة المهندسين الاستشاريين ضد شركة سويس إيرفوتو آند سرفيس ليمتد السويسرية .

























بالتجارية الدولية، لمحكمة الدرجة الثانية التي تتعبها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، وليس لمحكمة استئناف القاهرة كما هو الحال في التحكيمات التجارية الدولية طبقاً لنص المادة (9) من القانون32 .







خاتمة



في ختام هذه الدراسة التحليلية للقضاء المصري بشأن دعاوى البطلان والي تعرفنا من خلالها على أهم أسباب بطلان أحكام المحكمين وكذلك أسباب رفض أو عدم قبول هذه الدعاوى، يمكننا ملاحظة أهمية الدور الذي يلعبه القضاء المصري في إطار رقابته على أحكام المحكمين المحلية والدولية. فباستثناء بعض الهفوات العابرة والفردية، نستطيع أن نقول أن القاضي المصري، رغم حداثة عهده بالتحكيم، قد استوعب تماماً طبيعة وحدود دورة الرقابي على أحكام التحكيم، إيمانا منه بأن التحكيم كالقضاء يسعى لتحقيق ذات الهدف، وهو تحقيق العدالة .



ويكفينا للتدليل على وعي القضاء المصري أن نشير إلى إشادة السيد فيليب لوبولونجيه، الفقيه والمحامي الفرنسي القدير، بالقضاء المصري في معرض تعليقه على أحد الأحكام الصادرة من محكمة استئناف القاهرة – الذي رفض الدفع ببطلان اتفاق التحكيم القائم على عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية– حيث تمني أن "يسطع الضوء القادم من مصر ليضئ الطريق أمام مجلس الدولة الفرنسي ولما لا مجلس النواب الفرنسي"33 .



ومن شأن هذه الإشارة القادمة من بلد النور أن تجعلنا نحرص دائماً على دراسة وتحليل القضاء المصري في دعاوى البطلان، وأيضاً التعرض له بالنقد إذا أقضى الأمر، خاصة إذا بلغت التفسيرات والاجتهادات القضائية حدا من عدم النطقية يصعب معه تأييدها، كما هو الحال بالنسبة لتحديد الطبيعة القانونية لمهمة المحكم وإمكانية تعيين وكيل سابق لأحد الأطراف كمحكم عنه في هيئة تحكيم ثلاثية الأعضاء أو إمكانية تبني المحكم قضية الطرف الذي قام بتعيينه .







32 محكمة استئناف القاهرة، دائرة (62) تجاري، جلسة 5/4/2000م، شركة ترسانة إسكندرية ضد شركة ساماتور للملاحة.



33Philippe Leboulanger, note sur I arret de la Cour d’Appel du Caire du 19 mars 1997,



Organsime des Antiquies C/. Silver Night Company, Revue de l’Arbitrage, 1997, n2, p. 296.























وفي النهاية، تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض المشاكل القانونية الناجمة عن غموض نصوص القانون والتي كان لها مردودها في القضاء المصري، ونذكر على سبيل المثال المشكلة المتعلقة بمدى اختصاص القضاء المصري بنظر دعاوى بطلان أحكام التحكيم التجارية الدولية الصادرة في الخارج، مع اتفاق الأطراف على إخضاع العقد للقانون المصري دون تحديد قانون التحكيم المصري، والذي لا ينطبق على هذا النوع من التحكيمات إلا إذا اتفق الأطراف صراحة على تطبيقه، طبقاً لنص المادة (1) نم القانون.



فهل يكفي الاتفاق على تطبيق القانون المدني المصري للقول بوجود اتفاق على تطبيق قانون التحكيم المصري، ومن ثم اختصاص القضاء المصري؟



نأمل أن نتناول الإجابة على كل هذه التساؤلات في كتابنا عن القضاء المصري في شأن دعاوى بطلان أحكام المحكمين والذي ننوي الانتهاء من كتابته ونشره قريباً بمشيئة الله .

ابحث عن موضوع