بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أسئلة في علم الاجرام


ماهية العقوبة

س 1- عرف ماهية العقوبة وما عناصرها ؟

المطلب الأول

تعريف العقوبة

يعرف فقهاء القانون الجنائي العقوبة بأنها جزاء يقرره المشرع ويوقعه القاضى على كل من ارتكب فعلا أو امتناعا يعده القانون جريمة . يمكن القول بانه تعريف قانونى يخص قانون العقوبات ،ولا يصلح بالتالى لعلم العقاب الذى يدرس العقوبة كنظام إجتماعى .
إذا يمكن تعريف العقوبة بأنها "إيلام مقصود يوقع من اجل الجريمة ويتناسب معها ".
ويميز هذا التعريف أنه يربط العقوبة بالجريمة رابطة السبب بالمسبب كما وكيفا.
المطلب الثاني

س 2: عناصر العقوبة "موضع سؤال"

أولا :جوهر العقوبة الإيلام:

الألم جوهر العقوبة وهذا أمر بديهى إذ لا عقاب بدون ألم.ويقصد بالإيلام المساس بحق لمن تنزل به العقوبة
وحقوق الإنسان التى يتصور المساس بها كثيرة ،منها الحقوق المالية والحقوق غير المالية أو حقوق الشخصية . واهم الحقوق الشخصية تلك الطائفة من الحقوق المتعلقة بالكيان المادى للإنسان،أى حق الإٌنسان في الحياة ،وقد تمس به العقوبة فتلغيه حين تتمثل في الإعدام ،وحقه في سلامة البدن ويكون المساس به عن طريق العقوبات البدنية ، مثل الأشغال الشاقة ،والجلد وبتر الأعضاء في بعض الأنظمة .وأهم حقوق الإنسان كذلك حقه في التمتع بحريته الذى يحجب عنه طيلة مدة العقوبة السالبة للحرية .
يمكن أن يتحقق الإيلام كذلك إذا أصابت العقوبة حقا من الحقوق المالية ،وأهمها حق الملكية الذى تمس به العقوبات المالية ،مثل الغرامة والمصادرة .
والإيلام يفترض إكراها يخضع له من ينزل به،ومن ثم كانت العقوبة بطبيعتها متضمنة معنى القسر والإجبار ،إذ ليس من المألوف ان يتحمل شخص بمحض إرادته الإيلام.
وتتولى السلطات العامة في العصر الحديث إكراه المحكوم عليه على تنفيذ العقوبة بإعتبارها ممثلة للمجتمع الذى أسند إليها مهمة توقيع العقوبة نيابة عنه .

ثانيا: إيلام العقوبة إيلام مقصود:

تتميز العقوبة بان الألم الذى تحدثه فيمن توقع عليه ألم مقصود، فهى تفترض ان الإيلام أثر مقصود لإنزال العقوبة وتطبيقا لذلك ينتفى معنى العقوبة عن كل تدبير أو إجراء ينطوى بطبيعته على إيلام،لكنه يكون غير مقصود لذاته،مثل إجراءات التحقيق أو المحاكمة . فقد يقبض على المتهم ويفتش أو يحبس إحتياطيا ،وهى إجراءات لا يخلو تنفيذها عادة من مساس ببعض الحقوق ، ومع ذلك فهى لا تستهدف الإيلام وإن حدث بالفعل فهو غير مقصود.
وعنصر القصد في الإيلام هو الذى يبرز معنى الجزاء في العقوبة الجنائية.فما أنزله الجانى من شر بالمجتمع والمجنى عليه ،يتعين أن يقابله شر في صورة إيلام العقوبة .
وسوف نرى أنه مع التطور الذى صاحب النظرة إلى العقوبة وأغراضها حدث تطور مماثل في طبيعة الإيلام ودرجته. ففى الوقت الذى سادت فيه النظرة إلى العقوبة على أنها إنتقام من الجانى وكان القصد من الإيلام تحقيق أكبر قدر ممكن من الردع .
ومع ظهور اغراض أخرى للعقوبة بجانب الردع ،ظل الإيلام جوهر العقوبة ، لكن أصبح من غير المنطقى أن يقصد لذاته ،بل لتحقيق أغراض أخرى تعنى المجتمع ،وهى إصلاح المحكوم عليه وتأهيله للحياة الإجتماعية ،حتى لا يعود إلى الجريمة بعد تنفيذ العقوبة فيه. فظهرت أنظمة أو أساليب جديدة لتنفيذ العقوبة تركز على شخص المحكوم عليه ،لتستأصل منه دوافع الإجرام وتقضى على خطورته الإجرامية .
هذه النظرة الجديدة للعقوبة وأغراضها،إن كانت واضحة في فكرتها ،إلا أنها ليست سهلة التحقيق في الواقع العملى .ذلك انه لا يخفى أن الاصلاح والتأهيل عن طريق إيلام المحكوم عليه مسألة غاية في التعقيد ،وتحتاج إلى تنظيم وضبط للأساليب التى تتيح الوصول إلى هذا الغرض . وواضح ان عدم إستعمال هذه الأساليب يضعف من قدرة العقوبة على بلوغ أغراضها ،ويجعل الإيلام غرضا في ذاته ،فيكون ضرره أكبر من نفعه.

ثالثا: إرتباط إيلام العقوبة بالجريمة :

القاعدة انه لا عقوبة توقع إلا إذا ارتكبت جريمة ،فالعقوبة ترتبط بالجريمة وتوقع من اجلها ،وينبغى ان تتناسب معها. ويعنى ذلك أن إيلام العقوبة يجب أن يرتبط بالجريمة من وجهين :
الأول:- أن الإيلام الذى تتضمنه العقوبة لا يمكن إنزاله إلا كأثر للجريمة ويعنى ذلك ان يكون لاحقا على ارتكاب الجريمة .
وهذا الوجه من أوجه الارتباط بين الإيلام والجريمة ،هو الذى يميز العقوبة عن الإجراءات التى تتخذ قبل وقوع الجريمة وتستهدف الوقاية منها ،فهذه الإجراءات لا تعد من قبيل العقوبات .
الثانى :- إن إيلام العقوبة الذى تسببه الجريمة ويتحقق كأثر لها ،يجب أن يتناسب مع الجريمة . ويعنى ذلك أن هناك قدرا من التناسب ، ينبغى ضمانه كحد أدنى لا يمكن التجاوز عنه .فقوام فكرة الجزاء ليس فحسب مقابله الشر بالشر أيا كان ولكنه قبل ذلك وفوق ذلك الشر بشر مثله.والمثلية تقتضى التعادل والمساواة.
لكن كيف يمكن الوصول إلى التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة ؟ الواقع أنه من الممكن تصور أكثر من معيار يمكن ان يقاس به هذا التناسب.
أ- من الممكن أن يعتمد التناسب على مدى جسامة الماديات الإجرامية ، بحيث يتحدد الإيلام بالنظر إلى مدى جسامة الإعتداء الذى حدث على الحق او المصلحة محل الحماية الجنائية، دون إلتفات إلى نصيب الإرادة الإجرامية من الخطأ . وطبقا لهذا المفهوم يكفى لتحقق الصلة بين إيلام العقوبة والجريمة أن تنسب الماديات إلى شخص معين يكون هو الذى أتاها ،وان يكون فعله هو سبب النتيجة الإجرامية .
ب- ومن الممكن كذلك ان يكون معيار التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة هو نصيب الإرادة الإجرامية من الخطأ. ويؤدى ذلك إلى تطلب أن يكون الإيلام متناسبا مع درجة الإثم المنسوب إلى مرتكب الجريمة ، بصرف النظر عن مدى جسامة الماديات الإجرامية .وفى هذه الحالة يتحدد التناسب على أساس معيار شخصى ، فيلزم لإستحقاق العقاب ،وتحديد قدر الإيلام الذى يتضمنه ان تقوم صلة سببية نفسية بين فعل الجانى ونفسيته.ولا ينفى ذلك ان يكون الماديات الاجرامية دورها في الكشف عن نطاق الإرادة الإجرامية .
ج- ومن الممكن أخيرا الجمع بين المعيار الموضوعي والمعيار الشخصي ، لتحديد درجة التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة ،والتنسيق بينهما حسب نوع الجرائم . ففى طائفة منها يغلب الجانب الموضوعى على الجانب الشخصى والعكس بالنسبة لطائفة أخرى .
والتناسب بين العقوبة والجريمة على النحو السابق بيانه ،لا يتصور إستهدافه ومحاولة الوصول إليه إلا عند إختيار وتحديد نوع العقوبة ومقدارها اى في مرحلتى التفريد التشريعى والقضائى .
1) فتحقيق التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة في المرحلة التشريعية ، يعنى التفريد التشريعي للعقوبة ، وهو يقوم بالضرورة على أساس موضوعى حيث يراعى فيه بصفة أساسية الفعل لا الفاعل . والواقع أن المشرع لا يمكنه في هذه المرحلة أن يفعل أكثر من ذلك ،إذ أنه لا يعرف غير أفعال مجردة ، يزن درجة الإيلام بالنسبة لها، مراعيا جسامتها من الناحية المادية فحسب .
2) أما تحقيق التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة في المرحلة القضائية ،فإنه يعنى التفريد القضائى للعقوبة . ففى هذه المرحلة يقوم القاضى بإختيار نوع العقوبة ومقدارها من بين العقوبات التى حددها المشرع . وفي سبيل تحقيق التناسب يمكن للقاضى أن يراعى بالاضافة إلى جسامة ماديات الجريمة –شخصيا مرتكبها . والواقع أنه في هذه المرحلة يمكن للقاضى إكمال عمل المشرع في سعيه للوصول إلى تناسب حقيقى بين إيلام العقوبة والجريمة .
3) فإننا لا نرى محلا له في مرحلة تنفيذ العقوبة . ذلك أن علم العقاب الحديث لا يولى التناسب في مرحلة التنفيذ العقابى إهتماما وما ينبغى له ذلك. ويعنى ذلك ان على سلطات التنفيذ ألا تتجاوز بالزيادة قدر الإيلام الذى تتضمنه العقوبة المحكوم بها ،وإنما يجب عليها ان تحاول إستثمار هذا القدر من الإيلام –وفق أساليب ملائمة لتحقيق الغرض منه ،وهو إصلاح المحكوم عليه وتأهيله.
وليس مؤدى هذا القول حرمان سلطات التنفيذ من تفريد المعاملة العقابية حسب الظروف الشخصية لكل محكوم عليه، وما تفرضه مقتضيات تأهيله، فالتفريد في مرحلة التنفيذ العقابى أمر مقرر ومعترف به. إنما الذى نعنيه أن سلطات التنفيذ لا يحق لها أن تتجاوز قدر الإيلام الذى تفرضه طبيعة العقوبة المحكوم بها،إذا ما تراءى لها عدم تناسبه مع الجريمة المرتكبة .
انتهت اجابة السؤال

س- اكتب في المدرسة التقليدية لبيان غرض العقوبة ؟

أولا :نشاة المدرسة التقليدية لبيان غرض العقوبة ؟ :

نشأت هذه المدرسة في النصف الثانى من القرن الثامن عشر . واهم رجال هذه المدرسة مؤسسها الإيطالى "بيكاريا" وقد اصطبغت آراء هذه المدرسة بالروح الديمقراطية وحاولت تطبيقها على النظام الجنائى .
ومن ثم نادى رجال هذه المدرسة بالتخفيف من قسوة العقوبات ،وإقرار قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات ،وإقرار المساواة بين من يرتكبون الجريمة نفسها . والتخفيف من قسوة العقوبات يستتبع إستبعاد تعذيب المتهم لحمله على الإعتراف ....إلخ
وقد أسس رجال المدرسة التقليدية مذهبهم على فكرتين أساسيتين هما :

أ- العقد الاجتماعى :

نشات المدرسة التقليدية في وقت ذاعت فيه فكرة العقد الإجتماعى مضمونها أن الفرد لم يتنازل عن حريته للمجتمع –بمقتضى العقد الاجتماعى – إلا بالقدر اللازم لتنظيم الحياة الإجتماعية وضمان استقرارها . يترتب على ذلك أن سلطة المجتمع في العقاب ليست إلا جماع ما تنازل عنه الأفراد من حقوق بالعقد الإجتماعى ،وأن كل عقوبة تزيد على القدر اللازم لحماية المجتمع وضمان إستقراره هى عقوبة غير عادلة . وتطبيق ذلك لابد أن يقود إلى التخفيف من قسوة العقوبات ،وإلى المساواة امام نصوص التجريم والعقاب .

ب- المنفعة الإجتماعية :

أما فكرة المنفعة الإجتماعية فمؤداها أنه لا يمكن تبرير العقوبة إلا بإعتبارها وسيلة ضرورية لحماية المجتمع وتحقيق مصلحته المشروعة في مكافحة الإجرام. وهذه الفكرة لا تتعارض مع إمكانية تشديد العقوبات ،إذا إقتضت مصلحة المجتمع ذلك.اما حين تتجاوز سلطات المجتمع في العقاب نطاق المنفعة الإجتماعية ،فإن ذلك يعد خروجا على المصلحة المشروعة للمجتمع في مكافحة الإجرام .

ثانيا: أغراض العقوبة وفقا للمدرسة:

تركزت أغراض العقوبة وفق آراء المدرسة التقليدية حول فكرة الردع العام. فغرض العقوبة هو ألا يكرر المجرم إجرامه وألا يقلده فيه غيره. ويحدد هذا الغرض وظيفة العقوبة – لدى "فويرباخ"- وهى أن تخلق لدى الأفراد بواعث مضادة للبواعث الإجرامية تتوازن معها أو ترجح عليها فتصرفهم عن الإجرام.

أ- مزاياها:

لاشك في أن المدرسة التقليدية قد ساهمت مساهمة بالغة الأهمية في القضاء على مساوئ النظام الجنائى الذى كان سائدا وقت ظهورها .وقد ظهر أثرها واضحا في إرساء مبدأ الشرعية الجنائية ،والقضاء على استبداد القضاة وتحكمهم في مجال التجريم والعقاب . ويرجع إليها كذلك فضل التخفيف من قسوة العقوبات ،وإستبعاد التعذيب فى الإجراءات الجنائية .
وقد ظهر تأثير أفكار هذه المدرسة واضحا في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية .كما تأثر قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1791 بتعاليم هذه المدرسة ، وتجلى هذا التأثير في التخفيف من قسوة العقوبات وطرق تنفيذها.

ب- عيوبها:

يعاب على هذه المدرسة مغالاتها في التجريد والموضوعية وهو ما صرفها عن العناية بشخصية مرتكب الجريمة وظروفه،ودفعها إلى التركيز على الفعل وجسامته.
والواقع ان المساواة المجردة في العقوبة التى ينطق بها القاضى بين الأشخاص الذين يرتكبون نفس الجريمة هى عين اللامساواة .لأن المساواة الحقيقية تعنى ان ينال كل محكوم عليه من الجزاء الجنائى قدرا يتناسب مع الظروف التى احاطت بجريمته ، ويستجيب للجوانب المختلفة في شخصيته.
وفيما يتعلق بتنفيذ العقوبة ، تقود المساواة المجردة إلى توحيد طريقة التنفيذ بالنسبة للمحكوم عليهم بعقوبات متماثلة رغم إختلاف خطورتهم الإجرامية.وهذا أمر يتنافى مع مقتضيات الإصلاح والتأهيل كغرض من أغراض العقوبة .
ويعد إهمال تفريد الجزاء الجنائي ، لتحقيق غرض العقوبة في الإصلاح والتأهيل ،أحد المآخذ الرئيسية على المدرسة التقليدية ،التي لم تهتم إلا بالردع العام باعتباره الغرض الوحيد للعقوبة .
انتهت إجابة السؤال

س- تكلم عن المدرسة التقليدية الحديثة (أغراض العقوبة وفقا لها وتقديرها)

اولا :نشأة المدرسة التقليدية الحديثة (أغراض العقوبة وفقا لها وتقديرها):

كان إطلاق الطابع الموضوعى المجرد. وإهمال شخص المجرم في أفكار المدرسة التقليدية هو الدافع لنشأة المدرسة الحديثة . ومن ثم فقد كان طبيعيا أن توجه هذه المدرسة عنايتها إلى شخص المجرم .وذلك دون تنكر كامل للمبادئ التى قامت عليها المدرسة التقليدية .وكان مؤدى ذلك محاولة التوفيق بين المبادئ التقليدية ومقتضيات العدالة التى تغافلت عنها المدرسة التقليدية الأولى .
وقد ذاعت أفكار هذه المدرسة خلال القرن التاسع عشر،وكان من اهم رجالها "روسى" و"شارل لوكا" .وأسس رجال المدرسة التقليدية الحديثة فكرهم على دعامتين أساسيتين هما : العدالة المطلقة والمنفعة الإجتماعية .
1)فمن ناحية رأى أنصار هذه المدرسة أن علة العقاب تكمن في العدالة المطلقة . وأن الغرض الذى ينبغى أن تسعى العقوبة إلى تحقيقه هو هذه العدالة . ومؤدى ذلك ان غاية العقوبة ووظيفتها تحقيق العدالة المطلقة
2) ومن ناحية أخرى لم يقتصر رجال هذه المدرسة على تبرير العقوبة بفكرة العدالة المطلقة ،بل إن بعض أنصارها إستعانوا بفكرة المنفعة الإجتماعية ،ولم يغفلوا بالتالى الردع العام كأساس للعقوبة .

ثانيا: أغراض العقوبة وفقا للمدرسة

يتضح مما تقدم ان العقوبة تستهدف وفقا للفكر التقليدى الحديث تحقيق غرضين هما: العدالة من ناحية والردع العام من ناحية أخرى .
فتحقيق العدالة المطلقة يجب ان يكون غرضا تسعى العقوبة إلى تحقيقه بإعتبار العدالة في ذاتها قيمة أخلاقية وإجتماعية . وإعتبار العدالة أحد اغراض العقوبة يفرض العناية بشخص المجرم، لتحقيق التناسب الفعلى بين العقوبة وهذه الشخصية ،كما يفرض التخفيف في العقوبات حتى تتناسب مع جسامة الجريمة وخطورة المجرم.
اما الردع العام وهو غرض نفعى تشترك فيه المرسة التقليدية الحديثة مع المدرسة التقليدية الأولى

ثالثا: تقدير المدرسة التقليدية الحديثة :

أ- مزاياها
ب- عيوبها
1) يعاب على هذه المدرسة ، عدم وضع ضابط محدد يمكن بواسطته قياس حرية الاختيار ،إذ كيف يمكن قياس مقدرة الشخص على مقاومة البواعث الشريرة ، للقول بعد ذلك بوجود حرية الإختيار او عدم وجودها أو إنتقاصها.
2)ويؤخذ على هذه النظرية ما يقود إليه منطقها من تخفيف العقاب على المجرمين العائدين إلى الجريمة والمعتادين عليها.وهذه النتيجة تصطدم ببديهيات السياسة الجنائية التى تفرض على العكس تشديد عقاب العائدين إلى الجريمة
3) وأخيرا فإن التوسع في حالات المسؤولية المخففة يؤدى إلى الإكثار من إستعمال عقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة ،وهى عقوبات مشبوهة وسيئة السمعة في السياسة الجنائية
4) أغفلت تمام الردع الخاص من بين أغراض العقوبة وذلك يجرد العقوبة من وظيفتها كأداة إصلاح وتأهيل للمحكوم عليه

رابعا :المدرسة العقابية

نشأ في إطار الفكر التقليدى الحديث إتجاه جديد تزعمه الفرنسى "شارل لوكا" . فقد لوحظ إزدياد في نسبة الاجرام ، عزاه خصوم المدرسة التقليدية الحديثة إلى الأسس النظرية التى يقوم عليها فكرها . لكن بعض أنصار هذه المردسة لاحظوا ان هذه الزيادة مصدرها فساد نظام السجون وليس خطأ الأفكار التقليدية . ومن ثم إنصرفت جهودهم على الكشف عن عيوب نظام السجون ،ورأوا انها تتمثل في الاختلاط بين النزلاء رغم تفاوت خطورتهم الإجرامية وعدم إتباع أساليب التهذيب والإصلاح في داخل السجون.
وللقضاء على هذه العيوب ،إقترح بعض أنصار المدرسة العقابية الأخذ بنظام الحبس الإنفرادى .اما عن نظام المعاملة داخل المؤسسة العقابية ، فقد نادى انصار هذه المدرسة بضرورة الإهتمام بتنظيم العمل داخل السجن وبالتهذيب وبالرعاية الصحية للمحكوم عليه.
انتهت الاجابة

س- اكتب في المدرسة الوضعية الإيطالية .نشأتها وتحديدها التدابير وتقديرها ؟

اولا :نشاة المدرسة الوضعية الإيطالية :

نشأت المدرسة الوضعية في إيطاليا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر،ويعد "لمبروزو" مؤسسها الحقيقي ،إضافة إلى "فيرى" و"جاروفالو" وهما من تلاميذه. وقد ظهرت آراء هذه المدرسة كصدى للفشل الذي لقيته الآراء التقليدية.
لذلك تبنت المدرسة الوضعية منهجا علميا تجريبيا في دراسة الظاهرة الإجرامية لم يكن تبنى على أسس علمية .لذلك تبنت المدرسة الوضعية منهجا علميا تجريبيا في دراسة الظاهرة الإجرامية لم يكن قد إستعمل بعد في هذا المجال.
وقامت المدرسة الوضعية على أساس إعتناق فكرة حتمية الظاهرة الإجرامية ،وبالتالى رفض مبدأ حرية الإختيار كأساس للمسؤولية الجنائية.
فالجريمة في نظر أنصار هذه المدرسة ليست سلوكا يختاره المجرم،وإنما هي نتيجة حتمية لعوامل دافعة ، لا يملك الجاني إزاءها أي قدر من الحرية ،ومن ثم يكون المجرم مدفوعا حتما إلى الجريمة بفعل مجموعة من العوامل ،بعضها داخلي يرجع إلى التكوين العضوي والنفسي للجاني ،وبعضها خارجي مرده إلى ظروف البيئة التي يحيا فيها.
والتسليم بحتمية الظاهرة الإجرامية ،ونفى حرية الإختيار عن الجانى يقود إلى نفى المسؤولية الجنائية القائمة على أسس أخلاقية ،وإحلال نوع من المسؤولية الإجتماعية محلها .
ويقود منطق المدرسة الوضعية إلى عدم الإعتراف بفكرة العقوبة في مفهومها التقليدى .ورفض فكرة العقوبة ناتج عن إنكار فكرة المسؤولية الجنائية التى حل محلها مبدأ المسؤولية الاجتماعية.
ومادامت الجريمة حتمية،فإن التدبير الذى يتخذ لمواجهة الخطورة الإجرامية لا ينبغى أن يواجه الجريمة في ذاتها .ويعنى ذلك أن يتجرد من الصفة الجزائية ،ولا يكون للجريمة دور كبير في تحديده ،بل يكون مناطه الخطورة الاجرامية ،وهدفه مواجهتها في شخص مرتكب الجريمة .وإنكان للجريمة من قيمة فى هذا الصدد،فإنما يكون بإعتبارها مؤشرا على وجود الشخصية الإجرامية .
والقول بان الخطورة الإجرامية هى مناط التدبير الذى يتخذ قبل من توافرت فيه الخطورة ،يعنى وجوب تحديد نوعها ودرجتها ،كى ياتى التدبير ملائما لها .
فمن ناحية اخرى ،يجب ان تتنوع التداببر لكى يمكن تحقيق الملاءمة بين نوع التدبير ومقدار الخطورة الإجرامية ودرجتها.
وعلى ذلك تكون الخطورة الإجرامية هى مناط التدابير الإحترازية ،مما يقتضى تصنيف المجرمين إلى طوائف على أساس نوع الخطورة ، توصلا إلى تحديد التدابير الملائمة لكل طائفة. وقد قسمت المدرسة الوضعية المجرمين إلى طوائف خمس هى :
أ- المجرمون بالطبيعة او الميلاد ويطبق بشانهم تدبير إستئصالى أو إبعادى
ب- المجرمون المعتادون،وتطبق عليهم كذلك تدابير إستئصال وإبعاد.
ج- المجرمون بالمصادفة أو العرضيون وتطبق بشأنهم تدابير تحول دون تعرضهم للعوامل التى سببت وقوعهم في الجريمة حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى .
د- المجرمون العاطفيون،وتتخذ قبلهم تدابير يراعى فيها اكبر قدر من التسامح .
هـ- المجرمون المجانين او ذوو العاهات العقلية ،ويكون التدبير المتخذ قبلهم هو علاجهم في المصحات المتخصصة .

ثانيا :أغراض التدابير وفقا للمدرسة الوضعية

غرض التدابير الجنائية وفقا للمدرسة الوضعية هو مواجهة الخطورة الإجرامية ،أى منع المجرم من الاضرار بالمجتمع في المستقبل .ويعنى ذلك في تعبير آخر أن غرض التدبير هو الردع الخاص للمجرم. ويمكن جمع وسائل تحقيق هذا الغرض في وسيلتين:
الأولى :شل مفعول العوامل الإجرامية لدى المجرم عن طريق العلاج والتهذيب.
الثانية :إستئصال المجرم ذاته إذا تأكدت إستحالة شل مفعول العوامل التى تدفعه إلى الجريمة .
وقد إقتضى التسليم بمبدأ "حتمية الظاهرة الإجرامية" حصر غرض التدابير كصورة وحيدة للجزاء الجنائى في مواجهة الخطورة الإجرامية ،أى في الردع الخاص .ويؤدى هذا المنطق بالضرورة إلى إنكار ما عدا ذلك من الأغراض التى يمكن نسبتها إلى الجزاء الجنائى .ويعنى ذلك أن تحقيق العدالة ليس غرضا من أغراض التدابير الجنائية ،كما أن الردع العام ليس بدوره غرضا ينبغى أن تستهدفه هذه التدابير.

ثالثا: تقدير المدرسة الوضعية :

أ-مزايا المدرسة الوضعية:
1- إستخدام الأساليب العلمية التجريبية في دراسة الظاهرة الإجرامية والتعرف على شخص المجرم.
2- العناية بتصنيف المجرمين ،وتوجيه الأنظار إلى ضرورة تفريد المعاملة بما يلائم ظروف كل طائفة.وقد أصبح تفريد المعاملة العقابية ،سواء في مرحلة التشريع أو التطبيق القضائى أو التنفيذ العقابى ، من أهم مبادئ السياسة الجنائية الحديثة .
3- إبتكار التدابير الإحترازية كصورة للجزاء الجنائى ،تصلح لطائفة خاصة من المجرمين ،يمثلون خطورة على المجتمع،ولا تجدى معهم العقوبات بمفهومها التقليدى .
4- إبراز أهمية "التدابير المانعة " والوسائل العامة للوقاية الاجتماعية من الجريمة ،وقد أطلق عليها الأستاذ "فرى" "البدائل العقلية ".وتعنى هذه الوسائل تنقية البيئة الاجتماعية من العوامل التي تقرب الفرد من الإجرام ، مثل البطالة والتشرد والفراغ
ب- عيوب المدرسة الوضعية
لم تسلم المدرسة الوضعية من النقد، فهى قد تطرفت في الرأى في بعض الأمور . ويرجع هذا إلى تركيز المدرسة على عيوب الآراء التقليدية ومحاولة هدمها،دون الإستفادة بجوانبها الإيجابية وإكمال أوجه القصور فيها.ومن هذا المنطلق وجهت إلى المدرسة الوضعية عدة إنتقادات ، نوجز أهمها فيما يلى .
1) الإنكار المطلق للحرية الإختيار كأساس للمسئولية النائية وهو أمر لا يمكن قبوله أو التسليم به، لما يتضمنه من مغالطة ،وما يترتب عليه من مساواة الانسان بالمخلوقات الأخرى المتجردة من الوعى والإرادة . يضاف إلى ذلك ان مبدأ حتمية الظاهرة الإجرامية ،الذى تبنته المدرسة الوضعية هو محض افتراض لا يتطابق مع الواقع ولم يقم الدليل العلمى على صحته.
2) إهدار كل قيمة ذاتية للجريمة المرتكبة .وقد ترتب على ذلك إغفال دورها في تحديد صورة المعاملة التى يخضع لها المجرم.وهذا أمر يخالف المنطق القانونى.
3) الإقتصار على الردع الخاص كوظيفة للتدابير التى تنادى بها ويعنى هذا إستبعاد تحقيق العدالة والردع العام من بين أغراض التدابير .
4) فساد فكرة "المجرم بالطبيعة أو الميلاد" التى اعتمدت عليها. وقد ميزته بمجموعة من العلامات العضوية والنفسية .وأخطر ما في هذه الفكرة يتمثل في التدبير الذى يتخذ قبل هذا المجرم المزعوم،وهو إستئصاله من المجتمع،ولو لم يكن قد إرتكب بالفعل جريمة . ولا يخفى ما في ذلك من عصف خطير بالحريات الفردية .
انتهت الاجابة

س- اكتب في حركة الدفاع الاجتماعي الحديث وتقديرها؟ سؤال امتحان

أولا : نشأة حركة الدفاع الاجتماعي الحديث

وقد نشأت الحركة على يد الاستاذ الإيطالى فيليبو جراماتيكا . جاءت أفكار جراماتيكا على النقيض من الأسس التى يقوم عليها الفكر الجنائى المعاصر، فهو لا يعترف بالعقوبات ولا بالمسؤولية الجنائية ،بل يذكر قانون العقوبات ذاته. وقرر جراماتيكا مسؤولية المجتمع عن السلوك المنحرف مسؤولية تلزمه بتأهيل من إنحرف سلوكه،وتجعل التأهيل حقا للشخص المنحرف.
لكن هذه الأفكار تعرضت للنقد الشديد لما يترتب عليها من نتائج خطيرة . لذلك حاول الاستاذ "مارك أنسل" المستشار الفرنسي تصحيح مسار الحركة ،وردها إلى إطار الشرعية الجنائية .وإليه يرجع الفضل في تأصيل هذه الحركة والدفاع عنها، بعد أن عرض المبادئ التى تقوم عليها.

ثانيا: المبادئ التى تقوم عليها الحركة :

تعرف هذه الحركة السياسية الجنائية بانها فن مكافحة الإجرام بالوسائل الملائمة لذلك .
ويمكن إجمال المبادئ التى تقوم عليها الحركة في الأمور التالية :
أ‌- ان المقصود من الدفاع الاجتماعى حماية المجتمع والفرد من الإجرام. وتكون حماية المجتمع بالقضاء على التأثير الضار للظروف التى من شأنها أن تغرى بالإقدام على الجريمة .أما حماية الفرد فتتحقق بتأهيله حتى لا يقدم على الجريمة مرة ثانية.
ب‌- ضرورة إحترام الكرامة الإنسانية والحريات العامة ،وعدم إهدارها تحت ستار تطبيق أساليب الدفاع الاجتماعى .
جـ- الاعتراف بمبدأ شرعية الجرائم والتدابير الجنائية ،والتسليم بحرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجنائية.
د-إحلال تدابير الدفاع الاجتماعي محل العقوبات والتدابير الاحترازية . وتهدف تدابير الدفاع الاجتماعي إلى تأهيل المجرم ،ويمكن أن تنطوي على سلب للحرية أو تقييد لها.والتأهيل حق للمجرم والالتزام عليه . وينبغى اختيار التدبير الملائم لشخصية المجرم،وهو ما يقتضي فحص شخصية المتهم قبل تقديمه إلى المحاكمة ،وإعداد ملف الشخصية الذي يتيح للقاضى اختيار التدبير الملائم.

ثالثا:أغراض تدابير الدفاع الإجتماعى :

أدمجت حركة الدفاع الإجتماعى العقوبات والتدابير الإحترازية في نظام واحد، يضم مجموعة متعددة ومتنوعة من التدابير يطلق عليها "تدابير الدفاع الإجتماعى "،ويختار القاضى من بينها التدبير الذى يراه ملائما لحالة كل منهم بعد فحص الجوانب المختلفة في شخصيته.
ولم تقر حركة الدفاع الإجتماعى في هذه التدابير إلا غرضا واحدا هو تأهيل المجرم بإعتبار التأهيل هو السبيل إلى حماية المجتمع وحماية المجرم على حد سواء. فليس من اغراض التدابير وفقا لآراء أنصار هذه الحركة ، تحقيق العدالة أو الردع العام. فمعاملة المجرم تقتضى ألا يوضع في الاعتبار غير حقيقة واحدة، هى أن انسانا معينا قد إرتكب جريمة ،وينبغى مساعدته في ألا يرتكب غيرها بعد ذلك.
وليس معنى ذلك ان حركة الدفاع الإجتماعى الحديث ترى ضرورة إعتبار كافة المجرمين من قبيل المرضى الذين تهدف التدابير إلى علاجهم. بل إن القاضى ستكون له الصلاحية الكاملة لينطق بالتدبير الذى يراه يبدو أكثر توافقا مع حالته ، يستوى بعد ذلك أن يكون للتدبير طابع العقوبة كما هى في المفهوم التقليدى ،أو يكون تدبيرا احترازيا.

رابعا: تقدير حركة الدفاع الاجتماعى الحديث:

أ- مزايا الحركة
إنتشرت أفكار حركة الدفاع الإجتماعى الحديث إنتشارا واسعا ، سواء في الفقه أو فى التشريع الوضعى .
فقد إنضم إليها عدد كبير من أساتذة القانون الجنائى . وأنشئت جمعية دولية للدفاع الإجتماعى سنة 1949 وأنشئ قسم الدفاع الإجتماعى في الأمم المتحدة .
وعلى مستوى التشريع الوضعى تبنت بعض التشريعات كثيرا من الأفكار التى قالت بها حركة الدفاع الإجتماعى الحديث. من ذلك دراسة شخصية المتهم،وإنشاء نظام قاضى تطبيق العقوبات .
والواقع أن النجاح الذى لاقته هذه الحركة يرجع إلى طابعها الإنسانى التقدمى الواقعى . أو بعبارة أدق تمسكت بحد أدنى من الضمانات القانونية التى تحول دون تحول القضاء في أداء دوره الإجتماعى في مكافحة الإجرام إلى التحكم والإستبداد.
ب- الإنتقادات الموجهة إلى الحركة
1- انه يصعب إعتبارها مدرسة أو مذهبا عقابيا، لإفتقارها إلى الأساس الذى يجمع بين الافكار التى نادت بها .والواقع ان أصحاب هذه الحركة لم يدعوا لأنفسهم أنهم أصحاب مدرسة ،وإنما مجرد دعاة إلى تبنى"حركة إصلاح".
2- إغفالها تحقيق العدالة والردع العام كغرض للتدبير الاجتماعي التي نادت بها ،وقصر هدفها على التأهيل.
والواقع أن الحركة لم تحصر التدابير التى نادت بها في أنواع معينة دون غيرها ، بل إن هذه التدابير قد تتخذ صورة العقوبات بمعناها التقليدى وقد تكون تدابير إحترازية . وفي كلتا الحالتين قد تكون هذه التدابير سالبة للحرية أو مقيدة لها،ولا يخلو ذلك من تحقيق العدالة والردع العام بطريق غير مباشر،وإن لم يكن ذلك مقصودا لذاته.
3- الخلط بين صورتى الجزاء الجنائى وهما العقوبة والتدبير الاحترازى ،وهو أمر لا يتفق والطبيعة الخاصة لكل منهما، وهى طبيعة تفرض الجمع بينهما في ظل نظام جنائى واحد. مع تحديد مجال خاص لكل منهما. وقد رد الأستاذ مارك آنسل على هذا النقد،مؤكدا ان الدفاع الإجتماعى الحديث لا يعنى من حيث المبدأ هجر نظام الجزاء القائم على اللوم الاخلاقى ، فمكان العقوبة التقليدية يظل محفوظا في بعض الأحوال ، لا سيما في جرائم الإهمال الخطيرة ،والعديد من الجرائم الإصطناعية .

س- ما تعريف العقوبة وما خصائصها ؟

وهذه الخصائص هى بمثابة الضوابط التى تحكم نظام العقوبات الجنائية ،ولا ينبغى لأى نظام عقابى أن يغفلها عند تقرير العقوبات وتطبيقها.
ويمكن رد هذه الخصائص إلى خمسة مبادئ أساسية ، تتفرع عنها جملة من القواعد . هذه المبادئ هى :
1-   مبدأ شرعية العقوبة
2-    2- مبدأ قضائية العقوبة
3-    3- مبدأ شخصية العقوبة
4-   مبدأ عدالة العقوبة
5-    5- إحترام الكرامة البشرية

تكلم عن مبدأ شرعية العقوبة ؟

يقصد بشرعية العقوبة إستنادها إلى قانون يقررها .فكما أنه لا جريمة إلا بناء على نص في القانون يضفى على الفعل صفة عدم المشروعية ،فإنه لا يجوز توقيع عقوبة ما لم تكن مقررة –نوعا ومقدارا- بنص قانونى كأثر لإرتكاب الجريمة . وهذا ما يعرف في القانون الجنائى بمبدأ الشرعية الجنائية .
ويعفى مبدأ الشرعية الجنائية حصر الإختصاص بالتجريم والعقاب في السلطة التشريعية ، وتحديد دور القاضى في مجرد تطبيق العقوبة التى يقررها نص القانون.
وقد رأينا أن إقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات كان ثمرة لجهود رجال المدرسة التقليدية ،وعلى رأسهم الفقيه الإيطالى بيكاريا.
ويترتب على إقرار مبدأ شرعية العقوبات ضرورة التسليم بعدة نتائج هامة نذكر منها:
1) قصر التجريم والعقاب على السلطة التشريعية ومؤدى ذلك أنه ليس للسلطة التنفيذية أصلا حق التجريم والعقاب ،كما أن العرف لا يصلح مصدرا للتجريم والعقاب.
2) عدم جواز تطبيق نص التجريم والعقاب بأثر رجعى إلا إذا كان ذلك في صالح المتهم. وعلى هذه النتيجة نصت المادة الخامسة من قانون العقوبات المصرى بقولها:"يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت إرتكابها".
3) حظر القياس في مجال التجريم والعقاب . لذلك نجد القلة من التشريعات التي لا تعتنق مبدأ الشرعية ، تجيز للقاضى الالتجاء إلى القياس في مجال التجريم في حالة سكوت المشرع . من هذه التشريعات قانون العقوبات الدانمركي ،والذي تنص مادته الأولى على ما يعنى جواز تجريم فعل قياسا على فعل آخر منصوص على تجريمه لاتحاد العلة في الحالتين ، وتلك عملية القياس في التجريم التي تتنافى مع مبدأ الشرعية.
4) تفسير التجريم والعقاب تفسيرا ضيقا . فليس للقاضى أن يتوسع في تفسير نصوص التجريم والعقاب ، ليجرم فعلا لم ينص عليه المشرع أو ليوقع عقوبة غير مقررة في القانون.
ويبرر مبدأ الشرعية الجنائية في العصر الحديث بمبدأ الفصل بين السلطات ،وحماية الأفراد من تعسف السلطة التنفيذية وإفتئاتها على الحريات العامة .
ومع ذلك لم يسلم هذا المبدأ من النقد، بحجة انه يتجافى مع ضرورات التفريد العقابى .
كما إنتقد مبدأ الشرعية إذ يغل يد القاضى ويمنعه من تفسير النص الجنائى بما يواكب تطور المجتمع وحماية الجماعة من الأفعال الضارة بها.
ونشير في النهاية إلى ان الشريعة الإسلامية عرفت مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، ففى القرآن الكريم ما يدل عليه كقوله تعالى ، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. كما أن الأصل في التشريع الجنائى الإسلامى عدم سريانه على الماضى، لقوله تعالى " عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه"

ثانيا : قضائية العقوبة :

ويعنى ذلك ألا تنفذ عقوبة مقررة في القانون إلا إذا صدر بها حكم قضائى من محكمة جنائية مختصة. ويمتنع توقيع عقوبة بدون حكم قضائى ،ولو كانت الجريمة في حالة تلبس أو اعتراف المتهم بها اعترافا صريحا او رضى بتنفيذ فيه دون الرجوع إلى المحكمة المختصة .
وتؤكد التشريعات هذا المبدأ الهام ضمانا للحريات الفردية ،وحماية لها من تعسف السلطة التنفيذية وإستبدادها، بل إن بعض الأنظمة يرتفع به إلى مصاف المبادئ الدستورية ،إمعانا في تأكيده . مثال ذلك الدستور المصرى .
وإختصاص القضاء دون غيره من السلطات في العصر الحديث بتوقيع العقوبات الجنائية ،لم يتقرر إلا بعد أن زال نظام الإنتقام الفردى وساد مبدأ الفصل بين السلطات. ففى الماضى كان توقيع العقاب من شئون المجنى عليه أو وليه،ولما تولت الدولة مهمة العقاب على الجرائم، لم يكن ذلك من إختصاص القضاء، بل كان العقاب يتولاه الحاكم بما له من سلطان مطلق.أما في العصر الحديث فقد استقر مبدأ قضائية العقوبة ،وإنفردت السلطة القضائية بهذا الإختصاص وفقا للضوابط التى يقررها قانون الإجراءات الجنائية .
ومبدأ قضائية العقوبة هو الذي يميز العقوبات الجنائية عن غيرها من الجزاءات القانونية ،التي يمكن أن توقع دون حاجة إلى تدخل القضاء. فالتعويض وهو جزاء مدني يمكن الاتفاق عليه بين محدث الضرر والمضرور. والجزاءات الإدارية مثل اللوم أو الإنذار أو الخصم من الراتب أو تأخير العلاوة ، يمكن للجهة الإدارية أن توقعها على مرتكب المخالفة التأديبية بقرار إداري .
وإذا كانت الشريعة الإسلامية تجيز لولى الدم في جرائم القتل العمد أن يطلب إستيفاء القصاص بنفسه.
فإن ذلك لا يعنى أن توقيع العقوبة هو من اختصاص ولى الدم الذي يقتص بنفسه من الجاني دون الرجوع إلى القضاء . والواقع أن القاضي هو الذي يثبت من تحقق موجب القصاص،ويصدر حكمه بالقصاص من الجاني،ويقتصر دور ولى الدم على تنفيذ القصاص ، وليس في ذلك مجافاة لمبدأ قضائية العقوبة الجنائية . فتوقيع العقوبات الجنائية كافة هو في النظام الإسلامي من اختصاص القضاء.

ثالثا: شخصية العقوبة :

تعنى شخصية العقوبة إقتصار أذاها على شخص المسؤول عن الجريمة فاعلا كان أو شريكا ، فلا يتجاوز إلى غيره .
ولم تكن العقوبة كذلك في الماضى ، حيث كان أذاها يمتد إلى أقرباء الجانى وكل من تربطه به صلة ، لاسيما في الجرائم السياسية .
وقد سبقت الشريعة الإسلامية الأنظمة الوضعية بعدة قرون في تأكيد مبدأ شخصية العقوبة ، حيث ورد النص عليه في أصل التشريع الإسلامى،وهو القرآن الكريم في قول الله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى"
ولا يخل بمبدأ شخصية العقوبة ما يمكن أن يصيب أسرة المحكوم عليه من أضرار نتيجة تنفيذ العقوبة فيه، فتلك آثار غير مباشرة للعقوبة .
ويترتب على مبدأ شخصية العقوبة أن وفاة المحكوم عليه قبل تنفيذ العقوبة فيه يؤدى إلى إنقضاء العقوبة- التى تفرض وجود المحكوم عليه- بدون تنفيذ، فلا يتحمل ورثة هذا الأخير العقوبة التى لم تنقذ بسبب وفاته ويعنى ذلك أن العقوبات لا تورث.

رابعا: عدالة العقوبة:

أن تحقيق العدالة يعد من اهم الأغراض التى ينبغى أن يستهدفها العقاب. وتحقيق العدالة كغرض من أغراض العقوبة يتطلب مراعاة عدة أمور:
1) فمن ناحية، تعنى عدالة العقوبة أن تكون هناك ضرورة لتقريرها. فحيث يمكن حماية المصلحة الإجتماعية المراد حمايتها بوسائل أخرى غير العقوبة الجنائية، يكون التجاء المشرع إلى العقاب الجنائى- رغم خطورته- تعسفا في إستعمال حق العقاب ومجافاة لما تقتضيه العدالة.
2) تعنى عدالة العقوبة ضرورة تناسب إيلامها مع جسامة الجريمة التى تتقرر من أجلها ومراعاة عدالة العقوبة بهذا المعنى يتطلب في المرحلة التشريعية ،التنويع في العقوبات وجعلها بين حدين ومنح القاضى سلطة تقديرية ليتمكن من تفريد العقوبة .
3) نرى أن مراعاة العدالة في المرحلة التشريعية يفرض المساواة بين الناس جميعا أمام نصوص القانون المقررة للعقوبات. ولم يكن الأمر كذلك في سالف الزمان ، حيث كانت العقوبات المقررة للفعل الواحد تختلف باختلاف أقدار الأفراد والطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها ،بل إن وسائل تنفيذ العقوبات كانت ترتبط بالمكانة الاجتماعية للمحكوم عليه.
4) وأخيرا فإن تحقيق العقوبة للعدالة يقتضي مراعاة تفريد العقاب عند التطبيق . ويعد تفريد العقوبة من أهم المبادئ الجنائية الحديثة، وهو ثمرة من ثمار العدالة في تطبيق القانون .والتفريد القضائي يشكل لذلك أهم مرحلة يمكن أن تتحقق فيها العدالة بين الجناة،إذ ينال كل منهم من العقاب جرعة تتناسب مع دوره في الجريمة وظروفه الخاصة. ويأتي التفريد في مرحلة التنفيذ العقابي ليصل بعدالة العقوبة إلى ذروة سنامها.

خامسا: إحترام الكرامة البشرية

ينبغى ان تكون العقوبة إنسانية، لا تؤدى إلى امتهان كرامة المحكوم عليه بها أو إهدار أدميته. وعلى المشرع أن يراعى ذلك عند اختيار العقوبات التى يقررها.
وتؤكد المواثيق الدولية على ضرورة الابتعاد عن كافة العقوبات المنافية للكرامة الإنسانية. فالمادة الخامسة من الاعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الامم المتحدة في سنة 1948 تحظر توقيع مثل هذه العقوبات بنصها على أنه " لايجوز إخضاع شخص للتعذيب أو لعقوبات أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة"

س- تكلم عن عقوبة الإعدام كأحد العقوبات البدنية؟

تعتبر عقوبة الإعدام من أقدم العقوبات وجودا من الناحية التاريخية ، فهى واحدة من أقدم العقوبات التى عرفتها البشرية، وعقوبة الإعدام كذلك من أشد العقوبات من حيث الجسامة،لأهمية الحق الذى تصيبه،وهو حق الإنسان في الحياة الذى تسلبه تلك العقوبة.
ولم تكن عقوبة الإعدام مثارا للجدل في التشريعات القديمة.
أما في العصر الحديث، وبصفة خاصة منذ القرن الثامن عشر، فقد ثار الجدل حول مدى جدوى عقوبة الإعدام كجزاء بين الجزاءات الجنائية،وظهر إتجاه يطالب بالغائها من التشريعات الوضعية، بدعوى إضفاء طابع من الإنسانية والتحضر على النظام العقابى.
وقد انعكس الجدل حول ملائمة الأخذ بعقوبة الإعدام في التشريع الجنائى على موقف التشريعات الوضعية ، التى مازالت تتردد بين إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها.
ونعرض فيما يلي الاتجاه الفقهي المؤيد للإبقاء على عقوبة الإعدام ، ثم نعرض لحجج الذين يطالبون بإلغائها، ونلقى أخيرا نظرة على موقف التشريعات المختلفة من عقوبة الإعدام.

تكلم عن الاتجاه المؤيد للإبقاء على عقوبة الإعدام والاتجاه المعارض؟

يؤيد فريق من الفقهاء والمفكرين الإبقاء على عقوبة الإعدام في التشريع الجنائي. ويستند أنصار هذا الاتجاه إلى عدة حجج:
1- فاعلية عقوبة الاعدام لمواجهة الخطورة الإجرامية بالنسبة لبعض المجرمين ، الذين يثبت عدم جدوى أساليب الإصلاح والتهذيب معهم ذلك أن عقوبة الاعدام إستئصالية تقضى قضاء مبرما على هذه الطائفة من المجرمين حماية للمجتمع من شرهم. ومن هذه الناحية تعد عقوبة الاعدام ضرورة اجتماعية لحماية المجتمع من الاجرام ،ولا يمكن تصور عقوبة أخرى تتساوى معها في تحقيق هذا الهدف بالذات. من أجل ذلك نادى أنصار المدرسة الوضعية بالإبقاء على عقوبة الإعدام كوسيلة صالحة لتحقيق الدفاع الاجتماعى.
2- دور عقوبة الاعدام في تحقيق الردع العام: إذ انها تتضمن أقصى قدر من الزجر والإرهاب في النفس.ومن هذه الوجهة تعد عقوبة الاعدام أكثر العقوبات أثرا في تحقيق هدف المجتمع في مكافحة الاجرام الكامن. ولا شك في ان أغلب ما يحرص عليه الإنسان هو حياته،لذلك يكون للتهديد بإنهائها قوة إقناعية تصرف الأفراد عن الإقدام على الأفعال الموجبة لها.
وإذا كان لوجود عقوبة الاعدام في التشريع الجنائى هذا الأثر المانع، وهو إنذار الأفراد بسوء عاقبة من ارتكب الجريمة . ويعنى ذلك أن تطبيق العقوبة يحمل معنى الزجر العام.ولا تجدى عقوبة أخرى في تحقيق هذا الهدف مثل عقوبة الاعدام.
من اجل ذلك نشهد ظهور الإتجاهات المطالبة بتقرير عقوبة الاعدام وتنفيذها علنا في المحكوم عليه بها. كلما تفشت ظاهرة إجرامية وإستفحل خطرها في مجتمع من المجتمعات. كما يؤكد صدق هذه الملاحظة كذلك ما أظهرته التجربة العملية في بعض الدول التى ألغت عقوبة الإعدام من إستفحال خطر الجريمة وعجز المجتمع عن التصدى لها لدرجة دفعت بعض الدول إلى إعادة النص عليها في التشريع الجنائى.
3- ضرورة عقوبة الاعدام لتحقيق عدالة العقوبة في بعض الجرائم الخطيرة مثل القتل. وقد رأينا أن عدالة العقوبة تقتضى التناسب بين الشر الذى ألحقه الجانى بالمجنى عليه والإيلام الذى يحل به كأثر للجريمة. بيد انه في بعض الجرائم لا يتحقق هذا التناسب إلا بسلب الحق في الحياة . ويبدو هذا الأمر جليا في جرائم القتل العمد.
إن العقاب على القتل بغير القتل كفيل بأن يثير غريزة الإنتقام الفردى،ويدفع الأفراد إلى تنصيب أنفسهم قضاة يحققون العدالة التى تقاعس النظام القانونى عن ضمان تحقيقها. ولا يخفى ما فى ذلك من إضرار بالمصلحة الإجتماعية ،وعود بالبشرية إلى عصور كان فيها الفرد يقتص لنفسه من الجانى بسبب غياب السلطة العامة .
4- صعوبة إيجاد بديل لعقوبة الإعدام يؤدى دورها في السياسة الجنائية: وقد استبدل بعض الدول سلب الحرية مدى الحياة بعقوبة الاعدام بعد إلغائها. لكن العقوبة المؤبدة تتحول إلى مؤقتة في كثير من الأحوال بفعل نظام الإفراج الشرطى. كما انها تواجه على فرض الحفاظ على خاصة التأبيد فيها إنتقادات حادة من المفكرين بدعوى انها غير إنسانية تسلب المحكوم عليه المل في إستعادة حريته في يوم من الأيام.
5- الجدوى الاقتصادية لعقوبة الاعدام:
فيرى فريق من المؤيدين للإبقاء على عقوبة الإعدام أنها عقوبة غير مكلفة من الناحية الاقتصادية ،إذ لا يستغرق تنفيذها غير برهة يسيرة، في حين يكلف تنفيذ سلب الحرية نفقات باهظة ، تتمثل فيما يستلزمه تشييد السجون وحراستها...الخ

ثانيا: الاتجاه المعارض لعقوبة الاعدام

ويمكن إيجاز أهم الحجج التى قال بها المعارضون لعقوبة الإعدام فيما يلى:
1- ان المجتمع ليس من حقه سلب حياة الفرد ،لأنه ليس هو الذى منح الحق في الحياة . وقد قال بعض أنصار هذا الاتجاه بأن أساس حق الدولة في العقاب هو العقد الاجتماعى،وأنه من غير الممكن أن يكون الفرد قد تنازل بمقتضى هذا العقد للدولة عن حقه في الحياة،إذ لا يملك هذا التنازل. وتلك حجة واهية في تقديرنا لأن المجتمع يسلب الفرد حقوقا أخرى عن طريق العقوبة أقل من حق الحياة أهمية بطبيعة الحال، لكنها حقوق أساسية لا معنى للحياة بدونها. ومع ذلك فإن المجتمع لم يمنح الأفراد هذه الحقوق ومثالها الحق في الحرية .
والواقع أن أساس حق الدولة في العقاب ، ليس أنه مصدر الحقوق التى تمس بها العقوبة ،وإنما أساس حقها في العقاب أنه ضرورة إجتماعية لحماية المجتمع من الإجرام ،ومن ثم فإن كل عقوبة تحقق هذه الغاية تعد عقوبة مشروعة ما دامت لا تتعارض مع الشعور العام بالعدالة .
2- أن عقوبة الاعدام عقوبة قاسية وفظة تتسم بالبشاعة والوحشية وتؤذى الشعور العام الذى يفزع من قسوة العقوبات ويتأذى إحساسه من توقيعها. ولديــنا ان الشعور العام لا يفزع من توقيع العقاب العادل بقدر فزعه من الجريمة التى أدت إلى هذا العقاب .وأن الفزع من الجريمة لا يتحول إلى أمن إلا إذا طبقت بالفعل عقوبة الاعدام.
3- ان عقوبة الاعدام لا تحقق الأهداف التى ينبغى أن تسعى إليها الدولة من العقاب ،واهمها إصلاح المحكوم عليه وتأهيله. والواقع أن أغراض العقوبة لا تقتصر على الردع الخاص، بل تتضمن تحقيق العدالة والردع العام،وإذا كان الردع الخاص لا يتحقق بعقوبة الإعدام،فإن هذه العقوبة تحقق الردع العام وترضى الشعور بالعدالة في الجرائم الجسيمة لا سيما جرائم الإعتداء على الحياة.
4- استحالة الرجوع عن عقوبة الاعدام إذا ما إتضح بعد تنفيذها براءة من نفذت فيه. فالخطأ القضائى يقبل الإصلاح في غير الأحوال التى يحكم فيها بالاعدام ، وتنفذ العقوبة بالفعل .أما في حالات الإعدام فإنه يستحيل إصلاح الخطأ بعد فوات الأوان.
والواقعأنه يمكن لتفادى هذا الاحتمال إحاطة الحكم بعقوبة الإعدام وتنفيذها بضمانات إجرائية. ويبقى بعد ذلك أن القول بإلغاء عقوبة الإعدام إستنادا إلى احتمال أن يخطئ القضاة في الحكم بها،وهو إحتمال نادر ، هو أمر لا يمكن قبوله، ذلك أنه من المفروض ان تستند القاعدة القانونية إلى الغالب من الأمور.
5- وأخيرا يشكك أنصار الرأي المطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في حجج المؤيدين للإبقاء عليها ومحاولة إثبات أنها غير ذات جدوى من الناحية الاقتصادية ، لأنها تحرم الدولة من قوة عاملة يمكن ان تسهم في زيادة الإنتاج، ولو بالعمل في السجون كما يرون أن في البدائل العقابية ما يغنى عنها، ويحقق أهداف السياسة العقابية الحديثة التي تهدف إلى إصلاح المجرم وتأهيله.

ثالثا: موقف التشريعات المختلفة من عقوبة الإعدام:

يقرر التشريع الجنائي الإسلامي عقوبة القتل في جرائم القتل العمد والزنا من المحصن،والحرابة إذا قتل المحارب والردة والغبى . والمبدأ في الشريعة الإسلامية هو ضرورة تنفيذ العقوبات علنا في المحكوم عليه تحقيقا لوظيفتها في الردع العام.
وفي التشريع المصرى توجد عقوبة الإعدام بالنسبة لطائفة من الجرائم الخطيرة،أهمها جرائم القتل العمد والجرائم الماسة بأمن الدولة وإستقلال البلاد.
وليس من المقبول المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في مصر ،إذ هي مقررة في الشريعة الإسلامية ،التي تعد المصدر الرئيسي للتشريع في مصر.ومن ثم فإن إلغائها يخالف الشريعة الإسلامية، على الأقل فيما يتعلق بالجرائم ذات العقوبات المقدرة شرعا،وأهمها القتل العمد ويخالف في الوقت ذاته دستور البلاد.
وفى فرنسا لا يعرف القانون الفرنسى في الوقت الحاضر عقوبة الاعدام .
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ألغت بعض الولايات عقوبة الإعدام ولا يزال بعضها الآخر يحتفظ بها. كما ان بعض الولايات التى ألغت عقوبة الاعدام اضطرت إلى اعادتها ثانية بعد تزايد معدلات الإجرام فيها.
وإذا كان بعض الدول قد ألغى عقوبة الإعدام من تشريعاته العقابية صرحة فإن دولا أخرى لم تلغها صراحة ،ومع ذلك جرى العرف فيها على عدم تطبيقها لمدد طويلة. من هذه الدول بلجيكا قبل إلغائها صراحة.

س- اكتب في توحيد العقوبات السالبة للحرية ؟

ضرورات الملائمة بين جسامة الجريمة وإيلام العقوبة المقررة لها، دفعت بعض التشريعات إلى تنويع العقوبات السالبة للحرية ،وخص كل نوع منها بنظام للتنفيذ يختلف عن النظامي المتبع في غيره. ومن هذه التشريعات التشريع المصري ،الذي يعرف نوعين على الأقل من العقوبات السالبة للحرية هما : السجن والحبس. والسجن ينقسم إلى ثلاثة أنواع هي :السجن المؤيد والسجن المشدد والسجن العادي .وينفرد كل نوع منها بأحكام خاصة ،ونظام خاص عند التنفيذ، تتفاوت قسوته تبعا لجسامة الجريمة المقررة لها سلب الحرية .
لكن بعض التشريعات الحديثة تعترف بوحدة العقوبة السالبة للحرية ،وتقرر تبعا لذلك عقوبة واحدة سالبة للحرية يتم تنفيذها وفق نظام يراعى إختلاف المحكوم عليهم في مدى الخطورة الإجرامية ، ومن هذه التشريعات التشريع الإنجليزى والتشريع الهولندى .
وتبعا لهذا الإختلاف في النظرة إلى العقوبة السالبة للحرية ،ظهرت مشكلة توحيد العقوبات السالبة للحرية .
ويجدر بنا قبل بيان حجج المؤيدين والمعارضين لتعدد العقوبات السالبة للحرية ،أن تشير إلى وضع المشكلة من الناحية التاريخية.

أولا: وضع المشكلة

في بداية القرن التاسع عشر كان تنويع العقوبات السالبة للحرية ،وتدرجها من حيث القسوة ،ضرورة لا مفر منها لمواجهة النقص المترتب على إستبعاد العقوبات البدنية وحصر الإعدام في أضيق نطاق.
بمعنى أن التفريد يمكن أن يتحقق بالنسبة للعقوبة الواحدة وفق معيار مدة سلب الحرية ،التى يمكن أن تطول أو تقصر تبعا لإختلاف جسامة الجرائم.
وقد دعا الفقهاء إلى فكرة توحيد العقوبات السالبة للحرية ، قبل أن تنتقل دراستها إلى المؤتمرات الدولية. ومن أشهر من نادى بتوحيد العقوبات السالبة للحرية الفرنسى شارل لوكا.كما إن المدرسة الوضعية الإيطالية إعتنقت فكرة توحيد العقوبات السالبة للحرية .
وفى المؤتمرات الدولية ،أثير موضوع توحيد العقوبات السالبة للحرية لأول مرة في مؤتمر لندن الجنائى والعقابى سنة 1872،وتمت دراسته في مؤتمر ستوكلهم سنة 1878.
وقد تأثرت التشريعات بهذا الإتجاه الفقهى الداعى إلى توحيد العقوبات السالبة للحرية فبعضها ألغى التعدد وبعضها خفض عدد العقوبات السالبة للحرية .
مثال التشريعات التى ألغت تعدد العقوبات السالبة للحرية ،التشريع الهولندى الذى وحد العقوبات السالبة منذ سنة 1881 في عقوبة الحبس الإنفرادى .
ومن التشريعات التى خفضت عدد العقوبات السالبة للحرية ،نذكر التشريع النيوزيلندى ،والتشريع البرازيلى والتشريع السويدى الذى يقتصر على عقوبتين فقط : الأشغال الشاقة والحبس .كما ألغت مصر مؤخرا عقوبة الأشغال الشاقة بنوعيها.
وهناك أخيرا الغالبية العظمى من التشريعات التي لا تزال تحافظ على تعدد العقوبات السالبة للحرية في صورته القديمة. من هذه التشريعات التشريع المصري الذي يقرر في الواقع العملي أربعة أنواع من العقوبات السالبة للحرية هي :السجن المؤبد والسجن المشدد والسجن المؤقت وهى عقوبات للجنايات ، والحبس بنوعيه ،وهو عقوبة أصلية في الجنح.

ثانيا: الإتجاه المؤيد لتعدد العقوبات السالبة للحرية

س- أعرض حجج المؤيدين والمعارضين لتعدد العقوبات السالبة ؟

1- أن تنوع العقوبات هو معيار تقسيم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفا. مؤدى ذلك أنه إذا توحدت العقوبات السالبة للحرية في عقوبة واحدة.فإن ذلك يترتب عليه إختلال معيار التمييز بين أنواع الجرائم،مما يؤدى إلى قلب الأوضاع المستقرة .فالتوحيد المقترح يقتضى بالضرورة تغييرا شاملا في البنيانين العقابى والإجرائى معا،لأن كلاهما يقوم على تنويع الجرائم بحسب جسامتها إلى ثلاث أنواع،وتنويع السجون أيضا،وتنويع قواعد تحقيق الدعاوى ....إلخ
2- أن نظام تعدد العقوبات السالبة للحرية يضمن إرضاء الشعور العام بالعدالة ،بالإضافة إلى كونه أفضل الوسائل لتحقيق غرض العقوبة في الردع العام.
فإحساس الأفراد بالعدالة مرتبط بتدرج الإيلام الذى تتضمنه الأنواع المختلفة للعقوبات السالبة للحرية ،وهو تدرج مرتبط بتفاوت جسامة الجرائم.وقد استقر في ضمير الأفراد أن نوع العقوبة السالبة للحرية مؤشر على جسامة الجريمة المقررة لها ، وأن الحبس عقوبة يسيرة في حين أن الأشغال الشاقة عقوبة جسيمة .فإذا إتحدت العقوبات السالبة للحرية تحت إسم واحد ،هو عادة الحبس لكل جريمة مهما بلغت درجة جسامتها،فإن ذلك سيؤدى إلى ايذاء الشعور بالعدالة .
ويقرر أنصار التعدد كذلك أن الردع العام كغرض للعقوبة متوقف على تناسب العقوبة مع جسامة الجريمة ،وهذا التناسب لا يتحقق إلا إذا تنوعت العقوبات السالبة للحرية ،وتدرجت من الأخف إلى الأشد.
3- أن نظام تعدد العفوبات السالبة للحرية يساهم في تصنيف المحكوم عليهم تبعا لمدى خطورتهم الإجرامية . ذلك أن خطورة الجريمة تكشف عن خطورة الشخصية الإجرامية ،وكما يمكن تفسير السلوك الإجرامى عن طريق التعرف على شخصية الجانى وبيئته وماضيه، تكشف مدى جسامة هذا السلوك عن شخصية الجانى وخطورته بين فئات المجرمين. ولما كانت الخطورة على درجات متفاوتة ،فإن ذلك يفرض إختلاف النظم المتبعة في معاملة كل طائفة من المحكوم عليهم. ولا يتحقق هذا التفاوت في المعاملة حسب درجة الخطورة إلا إذا تنوعت العقوبات السالبة للحرية .
4- أن تنوع العقوبات السالبة للحرية يجعل تحديد النظام الذى يخضع له كل محكوم عليه من اختصاص القضاء ،وهو ما يحقق ضمانة هامة للمحكوم عليه،إذ يحميه من تعسف الإدارة . بينما توحيد العقوبات السالبة للحرية يسلب القضاء هذا الحق، ويسند مهمة تحديد نظام المعاملة إلى الإدارة العقابية. ولا محل لتضحية حق القاضى في إختيار العقوبة المناسبة لحساب الإدارة العقابية ،إذ ان القاضى يتميز في تصرفاته بالحياد والموضوعية .
ثالثا: الإتجاه المنادى بتوحيد العقوبات السالبة للحرية :

س- اكتب في أسانيد الإتجاه المنادى بتوحيد العقوبات السالبة للحرية ؟

ويستند أنصار الإتجاه المنادى بتوحيد العقوبات السالبة للحرية إلى عدة حجج لتدعيم وجهة نظرهم
1- أنه لم يعد هناك مبرر لتنوع العقوبات السالبة للحرية بعد ان تطورت المعاملة العقابية الحديثة ،وأصبح غرض العقوبة هو الإصلاح والتأهيل.
والتأهيل لا يستهدف إيلاما أكثر من سلب الحرية،ومن ثم يغدو توحيد العقوبات السالبة للحرية امرا منطقيا. فمعنى العقاب يتحقق بسلب الحرية ،وهو معنى يتحقق كاملا بالنسبة لكل عقوبة سالبة للحرية ،مما يعنى إختفاء الفوارق بين العقوبات السالبة للحرية ،وهذا هو المفهوم الذى يعنيه توحيد هذه العقوبات .
2- الحاجة إلى تصنيف المحكوم عليهم على أساس علمى سليم يعتمد على فحص دقيق لكل محكوم عليه. ويعنى ذا إستبعاد قيام التصنيف على أسس مجردة مثل نوع الجريمة .وإذا كان نوع الجريمة يتحدد على أساس نوع ومقدار العقوبة المقررة لها،فإن إستبعاد قيام التصنيف على أساس نوع الجريمة ،يعنى في الوقت ذاته إستبعاد التقسيم التقليدى للعقوبات السالبة للحرية ،أى توحيد هذه العقوبات.
3- أن المشرع الحديث يسير في طريق التوحيد بين العقوبات السالبة للحرية . ويظهر ذلك في مجالات ثلاثة:
الأول: إلغاء عقوبة الأشغال الشاقة ،وهو ما يعد خطوة في طريق توحيد العقوبات السالبة للحرية .
الثانى: تقريب الفوارق بين عقوبة الأشغال الشاقة وغيرها من العقوبات السالبة للحرية ،بالنسبة للتشريعات التى لم تلغها صراحة. ويتحقق ذلك ،أما بالتخفيف من مظاهر القسوة في عقوبة الأشغال الشاقة ،وإما بإعفاء بعض الأشخاص الذين حكم عليهم بها من الخضوع لنظامها.
الثالث: زيادة عدد طوائف المحكوم عليهم الذين يقرر لهم المشرع الحديث معاملة خاصة ،لا تقوم على أساس التمييز بينهم تبعا لنوع جريمتهم فتتوحد بالنسبة لهم العقوبات السالبة للحرية .
* وبالإضافة إلى الحجج الخاصة بأنصار التوحيد ،فإن هؤلاء يدعمون وجهة نظرهم بتفنيد أسانيد المعارضين لتوحيد العقوبات السالبة للحرية على النحو التالى :
** يبنى المعارضون لتوحيد العقوبات السالبة للحرية معارضتهم على سوء فهم لماهية التوحيد ،إذ يتصورون أنه يتضمن مساواة كاملة في المعاملة العقابية بين المحكوم عليهم،رغم جسامة جرائمهم التى تعبر عن درجة الخطورة الإجرامية الكامنة في أشخاصهم. وليس هذا التصور صحيحا. فالتوحيد ليس معناه إلغاء التفريد في أساليب المعاملة العقابية للمحكوم عليهم، بل يظل التفريد قائما ،وإن تغير معياره من نوع العقوبة إلى مدتها.
***وعلى ضوء الملاحظة السابقة ، تتبين مواطن الضعف في حجج المعارضين للتوحيد.
1- ليس صحيحا القول بأن توحيد العقوبات السالبة للحرية يحول دون تطبيق قواعد قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية القائمة على التقسيم الثلاثى للجرائم. إذ يمكن أن تؤدى مدة العقوبة الموحدة السالبة للحرية الدور الذى يؤديه في النظام الحالى تعدد العقوبات السالبة للحرية ، فتكون المدة معيارا لتحديد جسامة العقوبة،وبالتالى للإبقاء على التقسيم الثلاثى للجرائم. وعلى ذلك يظل تقسيم الجرائم قائما ،ولكن على أساس مدة العقوبة بدلا من ان يقوم كما هو الوضع الحالى على أساس نوع العقوبة.
2- ليس صحيحا بأن توحيد العقوبات السالبة للحرية يتعارض مع تحقيق العدالة والردع العام بإعتبارهما غرضين للعقوبة.
ويوحى هذا القول بان التوحيد يعنى المساواة في العقوبة بين الجرائم مهما إختلفت جسامتها ،وهو مالم يقل به أحد .ذلك أن العقوبة تختلف من جريمة إلى أخرى تبعا لجسامتها. فالعقوبة الأطول مدة تكون أكثر جسامة،ومن ثم يعاقب على الجريمة البسيطة بعقوبة سالبة للحرية ذات مدة قصيرة ،بينما يتقرر للجريمة الجسيمة عقوبة مدتها طويلة،وبهذا يرضى الشعور بالعدالة ويتحقق الردع العام.
3- ومن ناحية ثالثة ليس هناك تلازم حتمى بين خطورة الجريمة وخطورة الشخصية الإجرامية .
ذلك أن خطورة الجريمة ليست سوى قرينة على خطورة شخصية مرتكبها،وهى قرينة غير قاطعة لا يمكن الاعتماد عليها في تصنيف المحكوم عليهم. وفوق ذلك ينبغى أن يقوم التصنيف على أساس دراسة علمية لشخصية المحكوم عليه.
والواقع أن توحيد العقوبات السالبة للحرية لا يحول دون التفريد التنفيذى للعقوبة ، فينما يقوم التفريد التنفيذى في ظل التعدد على أساس جسامة الجريمة ،يقوم التفريد رغم وجود عقوبة واحدة سالبة للحرية ،على أساس دراسة شخصية المحكوم عليه لمراعاة ظروفه الخاصة ،كى تحقق العقوبة غرضها في الإصلاح والتأهيل.
4- وأخيرا ، ليس هناك ما يبرر الخشية من خطورة توحيد العقوبات السالبة للحرية على ما ينبغى أن يتوافر للمحكوم عليه من ضمانات .إذ لا محل لهذه الخطورة إلا إذا تولت الإدارة العقابية مهمة تصنيف المحكوم عليهم إلى طوائف وتحديد نظام كل طائفة.
وبالفعل فإن بعض الدول التى أخذت بنظام توحيد العقوبات السالبة للحرية، أنشأت نظام قاضى تطبيق العقوبات ،وحددت إختصاصه في الإشراف على تنفيذ العقوبات المحكوم بها،وما يثيره هذا التنفيذ من مشكلات.ولا شك في ان توزيع الإختصاص على هذا النحو ،يحقق للمحكوم عليه ضمانة جوهرية ، لا يتمتع بها في ظل النظام الحالى.
رابعا : الخلاصة
نخلص من كل ما تقدم إلى ان توحيد العقوبات السالبة للحرية ،يعنى ألا تتعدد هذه العقوبات ، بل تصبح عقوبة واحدة سالبة للحرية . فلا تكون هناك عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة والسجن والحبس، بل تتوحد كلها في عقوبة واحدة ، يمكن أن نطلق عليها عقوبة الحبس مثلا. وليس معنى ذلك المساواة التامة بين المحكوم عليهم بالعقوبة الواحدة. رغم اختلاف جسامة جرائمهم وتباينهم من حيث الخطورة الإجرامية ،وإنما يكون لذلك اعتبار في تحديد مدة العقوبة السالبة للحرية الموحدة .

س- تكلم عن سلب الحرية قصير المدة؟

أولا: وضع المسألة :

تثير العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة مشاكل عقابية ، بسبب قصر مدتها الذى لا يسمح بادراك الأغراض الحديثة للعقوبة في التأهيل ، فضلا عن أنه يسبب الاضرار المرتبطة عادة بسلب الحرية .
واول ما تثيره هذه العقوبات من مشاكل هو تحديد المقصود بها ،فليس المشرع هو الذى يحدد المقصود بالعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ،كما أن تحديدها بحد زمنى معين تنحصر فيما دونه ،أمر لا يخلو من تحكم.
**لذلك يرى جانب من الفقه أن تحديد هذه العقوبات ينبغى ان يتم على ضوء طبيعتها الخاصة،التى تجعل منها مثارا لمشاكل عقابية، لا محل لها في غيرها من العقوبات السالبة للحرية . وعلى هذا النحو تكون العقوبات قصيرة المدة،إذا كانت فترة سلب الحرية فيها لا تسمح بتطبيق برامج الاصلاح والتأهيل التى يقتضيها تحقيق الأغراض الحديثة للعقوبات السالبة للحرية . أما إذا كانت فترة سلب الحرية فيها تسمح بذلك، فلا تعتبر العقوبة قصيرة المدة .
*ولا يخفى الطابع النسبى لهذا التقسيم ،لاختلاف المحكوم عليهم من حيث استعدادهم للتاهيل تبعا لشخصياتهم،ومراعاة هذا الاعتبار أدى إلى إختلاف كبير في وجهات النظر بشأن تحديد العقوبات قصيرة المدة ، فحددها البعض بأنها أقل من ثلاثة شهور ،وقال آخرون بأنها تلك التى تقل عن ستة شهور،وذهب فريق ثالث إلى انها تلك التى لا تزيد مدة سلب الحرية فيها عن سنة.
** وتشير الاحصاءات الجنائية في كثير من الدول إلى التجاء القضاء إلى الحكم بعقوبات الحبس قصيرة المدة ، لدرجة تصل إلى حد الاسراف في تقريرها،وظهرت المعارضة للعقوبات السالبة للحرية في المؤتمرات الدولية التى عقدت لمناقشة هذا الموضوع,من هذه المؤتمرات نذكر ، مؤتمر الأمم المتحدة الثانى لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين،الذى عقد في لندن سنة 1960،وأوصى كافة الدول بالعمل على ألا يحكم قضاتها الجنائيون- قدر المستطاع- بعقوبة قصيرة المدة،وأن يحلوا محلها إما وقف التنفيذ وإما الاختبار القضائى واما الغرامة واما العمل في ظل نظام من الحرية المشروطة واما الايداع إذا اقتضى الحال في جناح من السجن متميز عن مكان وجود باقى المسجونسن،وإما الايداع في مؤسسة مفتوحة.
ويرجع الاهتمام بهذا الموضوع كما قلنا إلى اهمية وخطورة المشاكل العقابية التى تثيرها العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ونعرض هذه المشاكل وبعض الحلول المتصورة لها.

ثانيا: مساؤى سلب الحرية قصير المدة:

س- تكلم عن مشاكل سلب الحرية قصيرة المدة وبدائله؟

1-فمن ناحية ، لا يحقق الحبس قصير المدة غرض الردع في العقوبة ،إذ أن قصر مدتها يجعلها محل استهانة الرأى العام . هذا فضلا عن أن دورها في الردع الخاص يقتصر على المجرم المبتدئ، فهى لا تردع المجرم الخطير .
2- ومن ناحية ثانية، لا توفر عقوبة الحبس قصير المدة الوقت الكافى لتنفيذ برنامج تأهيلى يستهدف اصلاح الحكوم عليه بها،لأن المدة عنصر أساسى في هذا الاصلاح.
3- ومن ناحية ثالثة ، تسمح هذه العقوبات باختلاط المحكوم عليه بها بغيره من المجرمين الأشد منه خطورة، ولهذا السبب يعتبر السجن من العوامل المهيئة للاجرام بالنسبة لفئة المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة.
4- واخيرا، فإن العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة ، يترتب عليها ما يترتب على العقوبات السالبة للحرية ذات المدة الطويلة من آثار خطيرة ، على حياة المحكوم عليه وأسرته.
أ)فالبنسبة للمحكوم عليه ، تؤثر على سمعته بين قرنائه وتفقده غالبا مورد رزقه وتسئ فضلا عن ذلك إلى علاقاته العائلية .
ب) وتضار كذلك أسرة المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة ،بابتعاده عنها وفقدها لمورد الرزق الذى كان يمثله ، مما قد يدفع أفرادها إلى الانحراف والضياع.
** وفي الغالب يكون المحكوم عليه بهذه العقوبة مبتدئا، ويخشى من خطورة هذه الآثار عليه أن تدفعه إلى الانحراف نهائيا عن الطريق القويم.إذ ينتابه اليأس، وقد يضطر تحت ضغط الحاجة إلى ارتكاب جريمة جديدة ، ويعنى ذلك أنالمجتمع يضار من هذه العقوبات ،إذ يجد نفسه في مواجهة شخص خرج من المؤسسة العقابية بعد إنقضاء عقوبته وهو أشد خطورة ونقمة على المجتمع.
** ورغم كل هذه المساؤى ، يشير بعص الفقهاء إلى أن العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة لا تخلو من مزايا. أهمها أنها تصلح لطائفة من المجرمين المبتدئين.
*ولدينا أن العكس هو الصحيح ذلك أن أفراد هذه الطائفة هم أجدر المجرمين بالرعاية،وأكثرهم حاجة إلى بديل لسلب الحرية قصير المدة.

ثالثا: بدائل سلب الحرية قصير المدة:

ثار التساؤل عن مدى ملاءمة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ، في ضوء مبادئ السياسة العقابية الحديثة .وعمت الدعوة إلى استبدال وسائل أخرى بها.ونشير فى هذا الصدد إلى ثلاثة حلول :
الأول: الغاء هذه العقوبة حيث لا يكون منها جدوى .ويرى البعض صعوبة هذا الحل ، لكون العقوبة قصيرة المدة في نظرهم ضرورية بالنسبة لبعض المجرمين،الذين هم في حاجة إلى صدمة سلب الحرية لمدة محدودة لتكون بمثابة انذار لهم . كذلك فإن اعتبارات العدالة والردع العام تفرض في بعض الحوال توقيع عقوبة سالبة للحرية ذات مدة قصيرة.
وبالفعل نجد أغلب التشريعات الجنائية الحديثة لا تزال تعترف بالعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة. رغم مناداة بعض الباحثين باستبعادها .
الثانى : تحديد نطاقها في مجال محدد بحيث تتحقق الفائدة منها ويقل ضررها. وتبدو أهمية هذا الحل في الحوال التى يسرف القضاء في النطق بها. ويمكن الوصول إلى تقييد مجال عمل هذه العقوبة بالغائها في الجرائم البسيطة مثل المخالفات،ومنح القاضى في حدود سلطته التقديرية العدد الكافى من الوسائل التى تمكنه من تفادى النطق بها في الأحوال التى يقدر أنها لا تتطلب سلب الحرية بالفعل.
* وقد أشار مؤتمر المم المتحدة الثانى لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين ،الذى عقد في لندن سنة 1960،إلى أهمية هذا الحل عندما قرر ،إن الالغاء الكامل لعقوبة الحبس ذى المدة القصيرة غير ممكن التحقيق عملا،ولا سبيل إلى حل المشكلة على نحو واقعى إلا بالاقلال من حالات تطبيق هذه العقوبة حيث لا يكون ثمة مقتض لها.
الثالث: مراعاة التفريد في أساليب تنفيذ العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة .ويقتضى ذلك ألا يكون تنفيذها وفقا لذات القواعد التى تنفذ بها العقوبات السالبة للحرية ذى المدة الطويلة ،وإنما يتعين انتقاء أساليب التنفيذ التى يكون من شانها انتاج أثرها مع تفادى عيوبها.
* ونذكر من هذه البدائل على سبيل المثال، نظم وقف التنفيذ والاختبار القضائى ،والعمل خارج المؤسسات العقابية .....الخ
* ونشير في النهاية إلى أن التطور في المعاملة العقوبية في العصر الحديث ،أدى إلى التخفيف من مساوئ العقوبات السالبة للحرية بصفة عامة، ويبدو الاتجاه واضحا في كثير من الأنظمة القانونية إلى التحول تدريجيا من السلب الكامل للحرية إلى مجرد فرض القيود عليها. بل إن هناك نظما للمعاملة العقابية لا تتضمن سلب الحرية على الاطلاق، مثال ذلك العمل في مؤسسات مفتوحة ،والعمل بدون مقابل للمنفعة العامة
الفصل الأول

س- ماهية التدابير الاحترازية؟

س- عرف التدابير الاحترازية واشرح خصائصها وأغراضها؟

تعريف التدابير الاحترازية وخصائصها

يمكن تعريف التدابير الاحترازية بانها مجموعة من الاجراءات القانونية تواجه خطورة اجرامية كامنة في شخصية مرتكب الجريمة ، تهدف إلى حماية المجتمع ، عن طريق منع المجرم من العود إلى ارتكاب جريمة جديدة.
أولا : التدابير الاحترازية لها طابع الإجبار والقسر . ويعني ذلك أن تطبيقها لا يرتهن بإرادة من تفرض عليه ، بل هي ملزمة له ، ولو تضمنت تدابير علاجية أو أساليب مساعدة لا يرغب الفرد في الاستفادة منها ، إذ لا يعفيه ذلك من واجب الخضوع لها . وليس من العسير تبرير خضوع الفرد للتدابير الاحترازية رغما عنه وقسرا ، فالتدابير الاحترازية تقتضيها مصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام ، وبدهي إنه إذا كان هدف التدابير حماية المجتمع من الإجرام فإن تطبيقه لا يمكن أن يعلق علي مشيئة الفرد.
ثانيا : ارتباط الاحترازي بالخطورة الإجرامية . ويعني ذلك أن فرض التدابير وزواله مرتهن بوجود الخطورة . كما يعني الارتباط بين التدبير الاحترازي والخطورة أن كل تطور يطرأ علي الخطورة ، يستلزم بالضرورة تعديلا في التدبير ، سواء من حيث نوعه أو مدته أو كيفية تنفيذه .
ثالثا : تجرد التدبير الاحترازي من الفحوى الأخلاقي . فالتدبير الاحترازي يهدف إلي مواجهة الخطورة الإجرامية ، ويعد مجرد أسلوب للدفاع الاجتماعي ضد هذه الخطورة ، ويعني ذلك إنه لا يستند إلي فكرة المسئولية الأخلاقية القائمة علي الخطيئة . وهذا ما يفسر إمكان تطبيق التدبير الاحترازي علي عديمي التمييز والادراك ، مثل المجنون والصغير ، رغم إنهم ليسوا أهلا للمسئولية الجنائية.
رابعا : الإيلام ليس مقصودا في التدبير الاحترازي ، وتلك نتيجة منطقية لتجرد التدبير من الفحوي الأخلاقي . ولا يخل بهذه الخاصة من خصائص التدبير ما قد يتضمنه تنفيذه من ايلام تفرضه طبيعته ، لا سيما إذا كان من التدابير السالبه أو المقيدة للحرية . فهذا الإيلام غير مقصود ، وإنما يتحقق عرضا لعدم إمكان تنفيذ التدبير علي نحو يتجرد فيه تماما من الإيلام .
خامسا : التدبير الاحترازي لا يوقع إلا إذا كان من يخضع له قد ارتكب جريمة . فالخطورة الإجرامية التي يتجه التدبير الاحترازي إلي مواجهتها تنشأ حين يرتكب الشخص بالفعل جريمة ، ويهدف إنزال التدبير إلي مواجهة احتمال ارتكابه جريمة تاليه . واشترط وجود جريمة سابقة لانزال التدبير الاحترازي يهدف إلي حماية الحريات الفردية ، إذا لا يسوغ توقيع تدبير احترازي علي شخص لم يرتكب جريمة لمجرد احتمال إنه قد يرتكب في المستقبل جريمة .
هذه الخاصة تميز بين التدابير الاحترازية من ناحية ووسائل الوقاية الاجتماعية من الجريمة والتدابير المانعة من الجريمة من ناحية أخري . فالتدبير الاحترازي يتميز عن هذه الوسائل بأنه يفترض سبق ارتكاب جريمة ، مما يضفي عليه طابعا فرديا.
واشتراط الجريمة السابقة لتوقيع التدبير الاحترازي علي من تتوافر فيه الخطورة الإجرايمة هو عين ما نادي به رجال الاتحاد الدولي لقانون العقوبات ، وإليهم يرجع الفضل الأكبر في صياغة معالم النظرية الحديثة للتدابير الاحترازية .
المبحث الثاني
المطلب الأول

أغراض التدابير الاحترازية

س . أغراض التدابير الاحترازية وأحكامها ؟

الهدف الأساسي للتدبير الاحترازي هدف وقائي ، إذ يهدف إلي مواجهة الخطورة الإجرامية الكامنه في شخصية المجرم بغية القضاء عليها . ويؤدي التدبير الاحترازي من هذه الوجهة ، جانبا من الدور الذي تؤديه العقوبة في المحكوم عليه بها . ويعني ذلك أن الردع الخاص غرض مشترك بين التدبير الاحترازي والعقوبة ، فكلاهما يهدف إلي مكافحة الإجرام عن طريق الردع الخاص ، وله – كما تعلم – طابع فردي ، لكونه يتجه إلي شخص بذاته لاستئصال الخطورة الإجرامية الكامنه فيه 000
وفيما يتعلق بالتدابير الاحترازية ، نجد أن وسائل تحقيق الردع الخاص بالقضاء علي الخطورة الإجرامية متعددة .
1- فمن ناحية ، يمكن القضاء علي مصادر الخطورة الإجرامية في الشخص ، عن طريق مجموعة من الأساليب العلاجية والتهذيبية ، تهدف إلي تأهيل المجرم ، حتى يسلك بعد انقضاء التدبير سلوكا مطابقا للقانون.
والتأهيل في التدبير الاحترازي عن طريق أساليب العلاج والتهذيب ، يتحقق بالإيداع في إحدى المصحات بغرض العلاج ، كما هو الحال بالنسبة للمجرم المجنون أو مدمن الخمور أو المخدرات ، أو في إحدى دور الرعاية الاجتماعية ، كما هو الحال بالنسبة للمجرم الحدث ، أو في مؤسسة من مؤسسات العمل لتعليم حرفة وهذا ما يمكن اتباعه بالنسبة للمجرم المتشرد أو محترف التسول .
2- ومن ناحية ثانية ، قد تكون الوسيلة الوحيدة للقضاء علي مصادر الخطورة الإجرامية هي وضع المجرم في ظروف تحول بينه وبين الاضرار بالمجتمع . وهذه الوسيلة لا ينبغي الالتجاء إليها إلا عندما يثبت أن التدبير العلاجي أو التهذيبي لا يجدي في استئضال الخطورة الإجرامية الكامنة في بعض الاشخاص ، ويعد من قبيل التدابير الاستبعادية ، طرد الأجنبي من إقليم الدولة ، واعتقال معتاد الإجرام .
3- وأخيرا ، قد تتطلب مواجهة الخطورة الإجرامية ، تجريد المجرم من الوسائل المادية ، التي تمكنه من ارتكاب جرائم جديدة والإضرار بالمجتمع . ويتخذ التدبير في هذه الحالة صورة المصادرة للأدوات التي من شأنها أن تستعمل في ارتكاب الجريمة ، أو للأشياء الخطرة في ذاتها.
وإذا كان غرض التدبير الاحترازي ينحصر في تحقيق الردع الخاص ، فمعني ذلك إنه لا يهدف إلي تحقيق الأغراض الأخري التي تستهدفها العقوبة . وفي هذا يختلف التدبير الاحترازي عن العقوبة ، التي رأينا أن لها أغراضا ثلاثة هي : تحقيق العدالة والردع العام والردع الخاص .
لمطلب الثاني

س. احكام التدابير الاحترازية

س-أكتب في أحكام التدابير الاحترازية مشيرا إلي الأحكام المشتركة بينها وبين العقوبة؟

تنبع هذه الأحكام من الطبيعة الخاصة للتدابير والغرض الذي تستهدفه . ولما كانت التدابير الاحترازية صورة للجزاء الجنائي تستهدف مواجهة الخطورة الإجرامية بالوسائل التي ذكرناها ، فمعني ذلك أن هناك أحكاما مشتركة بينها وبين العقوبة ، كما أن هناك قواعد خاصة بالتدابير تميزها عن العقوبات .

أولا : الأحكام الموضوعية :-

1- تخضع التدابير لمبدأ الشرعية . ويعني ذلك إنه لا تدبير إلا بقانون ينص عليه ويحدد الجريمة أو الحالة الخطرة التي تبرر توقيعه . ولا تختلف التدابير في هذا الشأن عن العقوبات ولا مبرر لوجود هذا الاختلاف بينهما ، باعتبار كل منهما صورة للجزاء الجنائي ، الذي يحكمه مبدأ الشرعية.
2- التدبير الاحترازي غير محدد المدة ، ويتفق هذا مع طبيعته وهدفه فهو يواجه خطورة إجرامية ، لا يمكن للمشرع أو للقاضي التنبؤ وقت النطق بالحكم بيوم زوالها . ومن ثم يرتبط التدبير بوجود الخطورة ، ويمكن تعديله بما يناسب تطورها ، وينتهي بزاولها . ويختلف التدبير في هذا عن العقوبة ، التي ينص عليها المشرع بين حدين أقصي وأدني ن ويحدد القاضي في حكم الإدانة نوعها ومقدارها ، حتي يمكن تنفيذها في المحكوم عليه .
3- لا تخضع التدابير الاحترازية للظروف المخففة . فإذا اقتضت الخطورة الإجرامية تطبيق تدبير معين ، وجب إنزال هذه التدابير دون غيره. ويخلف التدبير في كل هذا عن العقوبة ، التي تسري بالنسبة لها نظرية الظروف المخففة ، ويمكن في بعض الأحوال النطق بها مع إيقاف تنفيذها خلال مدة يحددها القانون.
4- لا يعد التدبير الاحترازي سابقة في العود . ولا يسجل في صحيفة سوابق المتهم . ويترتب علي ذلك إنه لا يؤخذ في الاعتبار عند تحديد عقوبة الجريمة التي ارتكبت بعد إنتهاء تنفيذ التدبير .

ثانيا : الأحكام الاجرائية :-

1- قضائية التدبير الاحترازي . ويعني ذلك أن القضاء هو الذي ينطق بالتدبير ، حماية لحريات الأفراد من تعسف السلطات العامة. ولا يختلف التدبير في هذا عن العقوبة. ومع ذلك نجد أن بعض القوانين يخرج علي هذه القاعدة الأساسية ، ففي فرنسا يكون إيداع المجرم المجنون في المحل المعد لعلاجه من اختصاص السلطة الإدارية .
2- ضرورة العناية بتفريد التدبير . وتحقيق ذلك بمقتضي دراسة الجوانب المختلفة في شخصية المتهم ، ووضع نتائج هذه الدراسة تحت نظر القاضي حتي يتمكن من اختيار التدبير الملائم لنوع ودرجة الخطورة الإجرامية . ولا يختلف التدبير في هذا عن العقوبة ، والتي يحكمها كذلك مبدأ التفريد القضائي .
3- ينبغي تقييد علانية المحاكمة التي تسبق توقيع التدبير . عندما يتعلق الأمر ببحث أوجه الخلل في شخصية المتهم ، حتى لا يكون إظهار هذه الأمور أمام جمهور الناس في عرقلة اندماجه في المجتمع بعد ذلك . وتطبيقا لهذه القاعدة:- قررت المادة 126 فقرة ثانية من قانون الطفل في مصر حق المحكمة في أن تأمر بإخراج الطفل من الجلسة بعد سؤاله ، وحقها في إعفاء الطفل من حضور وليه أو وصيه نيابة عنه ، وفي هذه الحالة يعتبر الحكم حضوريا .
4- ينبغي تنفيذ الأحكام الصادرة بإنزال تدبير احترازي تنفيذا فوريا . ويعني ذلك أن الطعن في الحكم الصادر بالتدبير لا يجوز أن يكون سببا في وقف تنفيذه ، لأنه إذا كانت الخطورة الإجرامية هي مناط فرض التدبير ، وقد أثبت الحكم وجودها ، فإن مقتضي ذلك أن ينفذ الحكم الصادر به بمجرد صدوره ، حماية لمصلحة المجتمع .
5- لما كان التدبير الاحترازي يرتبط بالخطورة الإجرامية ، فإن ذلك يقتضي إمكان تعديل التدبير تبعا لما يرد علي الخطورة الإجرامية من تطور . وهذا الحكم قررته المادة 137 من قانون الطفل ما مؤداه أن صدور الحكم بإنزال تدبير معين ، ليس سببا في عدم إمكان إعادة النظر في التدبير من جديد ، إذا طرأ ما يستوجب ذلك . لكن الذي لا يقبل إعادة النظر هو الشق من الحكم الذي أثبت ارتكاب الفعل ونسبته إلي المتهم ، بمعني أن الحكم يكتسب الحجية بالنسبة لهذا الشق فقط . وفي هذا الخصوص يختلف التدبير عن العقوبة ، التي يكتسب الحكم الصادر بها حجية تمنع من إعادة النظر فيها بمجرد صيرورته نهائيا .
الفصل الثاني

أنواع التدابير الاحترازية

يمكن تقسيم التدابير إلي طوائف متعددة ، تختلف باختلاف أساس التقسيم ، فيمكن أولا تقسيمها من حيث موضوعها إلي شخصية وعينية ، والتدابير الشخصية قد تكون سالبة للحرية ، أو مقيدة لها ، أو سالبه لبعض الحقوق . ويعد هذا التقسيم أبسط التقسيمات للتدابير . ولذلك تأخذ به بعض القوانين ، وسوف نعرض التدابير وفقا له .
ويمكن تقسيم التدابير كذلك بالنظر إلي سلطة القاضي أزاءها . فتكون وجوبية ، إذا كان يلتزم بتقريرها ، أو جوازية ، إذا كانت له سلطة تقديرية بشأنها . وأخيرا يمكن النظر إلي التدابير من حيث مضمونها . ومن هذه الناحية ، قد تكون علاجية أو تهذيبية ، تستهدف القضاء علي الخطورة الإجرامية لدي من تطبق عليه ، ومثالها تلك المقررة للأحداث والمتشردين والمتسولين والمصابين بأمراض عقلية وعصبية 00الخ . وقد تكون استبعادية أو وقائية ، تستهدف عزل الجاني عن المجتمع لمنعه من الاضرار به ، ومثالها طرد المجرمين الأجانب والنفي واعتقال المجرم المجنون 00الخ .
وقد رأينا أن أبسط التقسيمات ، وأكثرها ذيوعا في التشريعات المقارنة ، هو تقسيم التدابير من حيث موضوعها إلي شخصية وعينية ، وهو تقسيم يكمله تقسيمها إلي تدابير علاجية ووقائية .
المبحث الأول

التدابير الشخصية

التدابير الشخصية هي التي تنطبق علي الفرد نفسه ، وتؤثر علي حقوق أساسية له . وقد تتمثل في سلب الحرية أو تقييدها أو سلب بعض الحقوق .
المطلب الأول

س. أكتب في التدابير السالبة للحرية والتدابير المقيدة للحرية ؟

هي التدابير التي تنفذ داخل مؤسسات خاصة يحددها القانون لهذا الغرض وأهم هذه التدابير ما يلي :-

أولا : الإيداع في المنشأت الزراعية أو الصناعية :-

يحكم بالإيداع في هذه المنشآت علي المعتادين علي الإجرام والمحترفين وذوي الميل الإجرامي والمتشردين . بهدف إيداعهم في هذه المنشآت إلي تعويدهم علي العمل الشريف.
*وتأخذ تشريعات جنائية كثيرة بهذا النظام ، منها قانون العقوبات الإيطالي ، وقوانين العقوبات في بعض دول أمريكا الجنوبية . وفي مصر نص قانون المتشردين والمشتبه فيهم وقانون مكافحة المخدرات علي هذا التدبير ، الذي يتخذ صورة الإيداع في إحدي مؤسسات العمل التي تحدد بقرار من وزير الداخلية .

ثانيا : الإيداع في دور العلاج والمصحات العقلية :-

دور العلاج هي منشأت علاجية ، يودع فيها المحكوم عليه لعلاجه من العوامل التي تضعف أو تنقص من قدرته علي الإدراك أو التمييز . ويودع في هذه المنشآت المصابون بالأمراض النفسية ومدمنو المواد المخدرة أو المسكرة ، الذين يخضعون لعلاج يتناسب مع حالتهم ، ويهدف إلي إعادة تأهيلهم .
وتدابير الإيداع في دور العلاج تنص عليها عدة تشريعات ، منها التشريع الفرنسي والتشريع اٌيطالي والتشريع البلجيكي . وفي مصر يعد من قبيل هذه التدابير ما قررته المادة 37 من القانون رقم 182 لسنة 1960 ، بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها ، التي أجازت للقاضي أن يأمر بإيداع من يثبت إدمانه علي تعاطي المخدرات إحدي المصحات التي تنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها.
ومن دور العلاج التي تنص عليها معظم تشريعات العالم ، مصحات الأمراض العقلية التي يودع فيها المصابون بعاهة عقلية منعت مساءلتهم الجنائية عن الجريمة التي ارتكبوها.

ثالثا : الإيداع في مؤسسات الرعاية الاجتماعية :-

وهي أماكن مخصصة للأحداث المجرمين أو المعرضين للإنحراف ، فيها يخضع الحدث لبرنامج تقويمي تربوي ، يهدف إلي ابعاده عن العوامل التي دفعته للانحراف ، حتي يمكن تسهيل عودته للحياة الاجتماعية . وفي مؤسسات الرعاية الاجتماعية يراعي اختلافها عن المؤسسات العقابية حتي لا يكةن لها شكلها العام وخصائصها ، فلا تؤدي الوظيفة الخاصة بها ، لذلك لا يرتدي القائمون علي مؤسسات الرعاية الاجتماعية الزي الخاص بالمشرفين علي المؤسسات العقابية ، كما إنها مزودة عادة بالأشخاص المؤهلين للقيام بالدور التربوي والتعليمي للأحداث المجرمين . وقد قرر قانون الطفل المصري هذا التدبير في المادة 107 منه ، التي تنص علي أن " يكون ايداع الطفل في إحدي مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأحداث التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية أو المعترف بها منها....."
المطلب الثاني

التدابير الشخصية المقيدة للحرية

هذه التدابير لا تنفذ داخل مؤسسات مغلقلة ، وغنما في وسط حر ، فسلب الحرية ليس هدفا فيها ، بل هي تترك الجاني حرا من حيث الأصل ، وإن كانت تقيد هذه الحرية بفرض بعض القيود علي ممارستها، ومن أهم هذه التدابير :-

اولا : الوضع تحت المراقبة :-

يتمثل هذا التدبير في فرض قيود علي حرية المحكوم عليه لمراقبة سلوكه بهدف الحيلولة بينه وبين العوامل التي يمكن أن تغريه بارتكاب جريمة تاليه . مثال هذه الوجبات تجنب مخالطة بعض الأشخاص. وتتولي الشرطة في الغالب مهمة مراقبة المحكوم عليه في التزامه بهذه الوجبات ، كما قد تتولي جهات أخري غير الشرطة القيام بهذا العمل .
كما أن الوضع تحت المراقبة كتدبير احترازي مقرر في نظام الاختبار القضائي الذي تنص عليه المادة 106 من قانون الطفل المصري ويتمثل نظام الاختبار القضائي ، وهو نظام تعرفه القوانين الأجنبية بالنسبة للكبار ، في وضع الحدث في بيئتة الطبيعية تحت التوجيه والإشراف ، مع مراعاة الواجبات التي تحددها المحكمة.

ثانيا : حظر الإقامة في مكان معين :-

أي منع المحكوم عليه من الإقامة في إقليم أو مكان معين يخشي أن يسهل ارتكابه جريمة جديدة . والهدف من هذا التدبير هو إبعاد الجاني عن الظروف أو العوامل التي كانت سببا في دفعه إلي الإجرام ، حتي لا يعود إليه مرة أخري. وهذا التدبير يكون في الأصل مؤقتا ، ويجوز للقاضي خقض مدته تبعا لما يظهر علي سلوك المحكوم عليه من تحسن .

ثالثا : حظر ارتياد أماكن معينة :-

قد يفرض القانون علي بعض الأشخاص حظرا مؤداه منعهم من التواجد في أماكن معينة ، ولو كان ذلك لفترة قصيرة . مثال هذه الأماكن الحانات أو الملاهي ، أو غيرها من الأماكن التي قد تثير في الجاني رغبات لتدفعه إلي تعاطي المواد المسكرة أو المخدرة ، مما يهيئ له ظروف العودة إلي ارتكاب جرائم جديدة ، وهذا التدبير يعد من التدابير المقيدة للحرية . باعتباره يخضع حرية المحكوم عليه لالتزامات وقيود تحد من نطاقها ، ولا تفرض علي غيره من الأفراد .

رابعا : إبعاد الأجانب :-

إبعاد الإجنبي الذي ارتكب جريمة عن إقليم الدولة التي ارتكب الجريمة فيها ، يعد من التدابير الاحترازية ، الهادفة إلي توقي خطورتة الإجرامية . وتتخذ الدولة هذا التدبير بمالها من سيادة علي إقليمها ، تفاديا لارتكاب المجرم جرائم جديدة تهدد أمنها واستقرارها . وتدبير الابعاد عن إقليم الدولة قاصر علي الأجانب دون المواطنين.
المطلب الثالث

س. أكتب في التدابير الشخصية السالبة للحقوق والتدابير المالية ؟

هي طائفة من التدابير هدفها مواجهة الخطورة الإجرامية ، بسلب الحق الذي يكون استعماله قد هيأ الفرصه أو ساعد الجاني علي ارتكاب الجريمة ، ومن أمثلة هذه التدابير :

أولا : حظر ممارسة بعض الوظائف أو الأنشطة المهنية :-

ويهدف هذا التدبير إلي حرمان المحكوم عليه من ممارسة بعض الأنشطة المهنية ، حماية للمجتمع أو للمهنة أو للفرد ذاته ، إذا كانت المهنة من العوامل التي تهيئ أمام الجاني فرصة ارتكاب جريمة جديدة . مثال ذلك منع الطبيب الذي يرتكب جرائم الإجهاض من ممارسة مهنة الطب. وتنص بعض القوانين علي تدبير حظر ممارسة الوظيفة أو المهنة باعتباره عقوبة تبعية لعقوبة أصلية.

ثانيا : سحب رخصة القيادة :-

هذا التدبير يمكن اتخاذه بالنسبة لمن ارتكب طائفة معينة من الجرائم ، مثل القتل الخطأ ، أو القيادة في حالة سكر بين ، أو من تكرر منه تجاوز حدود السرعة المقررة قانونا . وقد يكون سحب الرخصة لمدة محددة ، كما قد يكون نهائيا . ويأخذ القانون الفرنسي بهذا التدبير ، كما يقرره قانون المرور في مصر في بعض جرائم المرور .

ثالثا : إغلاق المؤسسة أو المحل الذي ارتكبت فيه المخالفة :-

هذا التدبير وقائي الهدف منه منع تكرار المخالفة ممن سبق ارتكابه لها ، مثال ذلك اغلاق المحل التجاري الذي تكرر فيه بيع سلع فاسدة أو مغشوشة أو غير صالحة للاستعمال الآدمي. وقد نص علي هذا الإجراء في مصر قانون المحال العامة رقم 371 لسنة 1957 ، الذي قرر اغلاق المحال التي تدار بغير ترخيص ، كما نص قانون مكافحة الدعارة.
المبحث الثاني

التدابير المالية

هي طائفة من التدابير تمس الذمة المالية للمحكوم عليه ، ولا تمس شخصه . ويمكن أن يدخل ضمن هذه التدابير حظر ممارسة الوظيفة أو المهنة ، لأن هذا التدبير ، وأن كان من التدابير الشخصية السالبة للحقوق ، إلا إنه يؤثر أساسا علي الذمة المالية للمحكوم عليه ، عندما يسلبه حق ممارسة الوظيفة أو المهنة التي تعد مصدر دخله . ومن أمثلة هذه التدابير كذلك يمكن أن نذكر بصفة رئيسية المصادرة والكفالة المالية .

أولا : المصادرة :-

المصادرة عبارة عن نقل ملكية مال أو أكثر من المحكوم عليه إلي الدولة وقد يكون هذا المال متحصلا من الجريمة أو استعمل في ارتكابها أو من شأنه أن يستعمل في ارتكاب الجريمة .
والمصادرة قد تكون عقوبة ، وقد تكون تدبيرا احترازيا حين ترد علي أشياء حيازتها غير مشروعة . وفي الحالة الأخيرة تكون المصادرة وجوبية ، هدفها الحيلولة دون أن يستعمل الحائز مستقبلا الشيء الذي يحوزه في ارتكاب جريمة ، أي توقي خطورة إجرامية . والمصادرة كتدبير احترازي يمكن أن يرد علي شيئ مملوك للمحكوم عليه أو مملوك لغيره ، بينما المصادرة كعقوبة لا ترد إلا علي شئ مملوك للمحكوم عليه تطبيقا لمبدأ شخصية العقوبة .
المصادرة المقررة في هذا النص نوعان : جوازية ، وفي هذه الحالة تعتبر عقوبة ، ووجوبية ، وتكون حينئذ تدبيرا احترازيا . والمصادرة كعقوبة نصت عليها الفقرة الأولي من المادة 30وفصلت أحكامها ، ولا تعنينا دراستها في هذا المجال . أما المصادرة كتدبير احترازي ، فقد نصت عليها الفقرة الثانية من المادة ذاتها بقولها ، "
**والتي مؤادها أن المصادرة تعد – حسب طبيعتها – تدبيرا احترازيا ، وأن لم يسبغ المشرع المصري عليها هذا الوصف . فهي تهدف إلي توقي خطورة إجرامية ، باعتبار الأشياء محل المصادرة أشياء خطرة في ذاتها ، ويحتمل أن يستعملها حائزها في ارتكاب جريمة إذا تركت في حيازته . ومن ثم ترتبط الخطورة الإجرامية بحيازة الشئ ، ويكون انتزاع الشئ من يد حائزه مانعا من وقوع الجرائم ، وتلك وظيفة التدابير الاحترازية كما رأينا .
**وطبيعة المصادرة الوجوبية كتدبير احترازي ، تحدد أحكامها ، التي تميزها عن الأحكام الخاصة بالمصادرة كعقوبة ، ففي المصادرة الوجوبية يلزم أن يكون الشئ محل المصادرة غير مشروع في ذاته ، ويحكم بها ولو لم يحكم علي المتهم بعقوبة أصلية ، ولا تتقيد برعاية حقوق الغير حسن النية ، أي أن ملكية غير المتهم للشئ الخطر علي أمن المجتمع لا تمنع من مصادرته لمواجهة هذه الخطورة وحماية المجتمع منها .

ثانيا : الكفالة المالية :-

هي تدبير مالي يلزم بمقتضاه الجاني بدفع مبلغ معين من المال إلي الخزينة العامة ضمانا لحسن سيره وسلوكه بعد الإفراج عنه. وتهدف هذه الكفالة إلي حث المحكوم عليه علي التزام السلوك القويم ، وعدم الاقدام علي ارتكاب جريمة جديدة . وتحدد مدة الكفالة ، فإذا مضت دون أن يرتكب الجاني جريمة جديدة ، استرد مبلغ الكفالة الذي دفعه . أما إذا ارتكب جريمة جديدة يحددها القانون خلال مدة الكفالة ، انتقلت ملكية المال إلي الدولة.
الفصل الثالث

س . أكتب في شروط الحكم بالتدابير الاحترازية ؟ ( أو تطبيق التدابير الاحترازية )

المبحث الأول

سؤال فرعي . س . أكتب في سبق ارتكاب جريمة كشرط لفرض التدابير الاحترازية ؟

لا يجوز توقيع التدبير الاحترازي علي شخص إلا إذا كان قد سبق ارتكابه بالفعل لجريمة . فشرط الجريمة السابقة لا مكان انزال التدبير الاحترازي يقول به الرأي الغالب في الفقه ، وتقره غالبية التشريعات الحديثة ، رغم ما يتضمنه بعضها من وسائل قانونية للخروج علي هذا المبدأ .
**ويبرر شرط الجريمة السابقة بضرورة حماية الحريات الفردية.
*فالتدبير الاحترازي جزاء جنائي ، ولهذا السبب لا يتصور الاللتجاء إليه كقاعدة عامة إلا إذا كانت هناك جريمة يستند إليها . ويكفي إدراك أن التدبير الاحترازي يمكن أن يكون سالبا للحرية مدي الحياة أو مقيدا لها بقيود شديدة ، لتصور مدي الظلم الذي يمكن أن يحيق بالفرد الذي يوقع عليه التدبير لمجرد احتمال ارتكابه جريمة في المستقبل ، علي الرغم من إنه لم يسبق له مطلقا ارتكاب جريمة من أي نوع .
*ومن ثم يكون احتمال ارتكاب جريمة في المستقبل غير كاف بذاته للمساس بحريات الأفراد ، إذا لم تدعمه علامات أو قرائن تشير إلي رجحان هذا الاحتمال بالنسبة لشخص معين . ولا توجد قرينة أكثر دلاله علي ذلك من سبق ارتكاب هذا الشخص جريمة بالفعل ، والاستناد إلي هذه القرينة أمر لا محيض عنه ، بعد هجر فكرة المجرم بالميلاد التي ثبت فسادها من الناحية العلمية ، هذا فضلا عن أن الأحتكام إلي الماضي الإجرامي لمن يراد فرض التدبير الاحترازي عليه ، يسد الباب أمام تعسف السلطات العامة واستبدادها ، إذا ما ترك لها استخلاص الخطورة الإجرامية لدي شخص لم يسبق له أن اقترب من عالم الجريمة .
ورغم تطلب غالبية الفقهاء لهذا الشرط ، فإنه قد تعرض للنقد من بعض الفقهاء ، بمقولة أن يجرد التدابير الاحترازية من وظيفتها الاساسية ، ويتعارض مع طبيعتها .
**فوظيفة التدابير الاحترازية هي مواجهة الخطورة الإجرامية ، حتي لا تتحول إلي جريمة بالفعل. ومؤدي ذلك إنه إذا ثبت بالفعل توافر الخطورة الإجرامية ، فيكون من غير المنطقي اشتراط تحولها إلي جريمة فعلية لامكان اتخاذ التدبير الاحترازي قبل من أثبتت الجريمة المرتكبة توافرها فيه . ويري القائلون بهذا أن اشتراط ارتكاب جريمة سابقة لامكان توقيع التدبير الاحترازي ، يعني أن الجريمة السابقة هي القرينة الوحيدة علي توافر الخطورة الإجرامية ، وهذا في تقديرهم غير صحيح ، إذا يمكن وجود قرائن أخري علي توافر الخطورة الإجرامية . فإذا وجدت هذه القرائن وكانت قاطعة في الدلالة علي توافر الخطورة ، فلا يكون هناك ثمة مبرر لرفض توقيع التدبير الاحترازي ، بحجة أن من يراد إنزال التدبير به لم يسبق له ارتكاب جريمة .
**أما طبيعة التدابير الاحترازية ، فتفرض عدم الاعتداد بماضي من توقع عليه ، وإنما هي تنظر إلي مستقبله لمنع إقدامه علي الجريمة . ومن ثم يبدو اشتراط ارتكاب جريمة سابقة مناقضا لطبيعة التدبير الاحترازي ، إذ يوحي بأن هناك صلة بين التدبير وتلك الجريمة ، وإنه جزاء لها ، وليست الحقيقة كذلك، فالتدبير إجراء لمواجهة خطورة إجرامية ، قد تتوافر فيمن ارتكب جريمة ، كما قد تتوافر فيمن لم يقدم بعد علي الجريمة ، إن وجدت قرائن تقطع بتوافرها . وتنذر باحتمال الإقدام عليها .
* ويري استاذنا الدكتور رمسيس بهنام ، إنه لا يلزم أن ينحصر وجود الخطورة الإجرامية في الشخص الذي أجرم بالفعل دون سواه ، فقد تتوافر حتي في شخص لم يرتكب جريمة بعد ، وإنما يحتمل بسبب وجودها فيه أن يرتكب جريمة .
وقد انعكس الجدل الفقهي حول ملاءمة اشتراط جريمة سابقة لامكان توقيع التدبير الاحترازي أو عدم ملاءمة ذلك علي التشريعات الوضعية . فإذا كان الاتجاه الأول قد تغلب ، مما أدي إلي تبني أغلب التشريعات الحديثة لشرط ارتكاب جريمة سابقة لإمكان إنزال التدبير الاحترازي . إلا أن الاعتبارات التي أبداها أنصار الرأي الأخر قد تركت أثرها علي بعض التشريعات . ومن ثم وجدنا هذه التشريعات تلجأ احيانا إلي تقرير التدابير الاحترازية دون أن تكون هناك جريمة سابقة ارتكبها من يفرض عليه التدبير .
ويعني ذلك أن التشريعات الحديثة لا تتقيد بشرط الجريمة السابقة علي نحو جامد ، بل إن ضرورات الوقاية من الإجرام تدفعها إلي الخروج عليه ، إذا ما قدر المشرع ملاءمة الإلتجاء إلي التدابير الاحترازية قبل أشخاص لم يسبق لهم ارتكاب أي جريمة ، أو سبق لهم ارتكاب جرائم يسيرة ، ويلجأ المشرع في سبيل تفادي شرط الجريمة السابقة إلي حيل قانونية ، وتصادف هذا في حالتين :-
الأولي : تجريم التواجد في حالة تنذر بارتكاب جريمة :- مثال ذلك حالة التشرد أو قيادة السيارات في حالة سكر . وفي هذه الحالة يكون التدبير الاحترازي هو الجزاء الوحيد المقرر علي التواجد في الوضع الذي يشكل جريمة قائمة بذاتها . وقد نص القانون المصري علي تجريم حالات التشرد والاشتباه بالقانون رقم 98لسنة 1945 وما أدخل عليه من تعديلات ، وقرر إمكان إنزال تدبير أو أكثر من التدابير المنصوص عليها فيه وهي : تحديد الإقامة في جهة أو مكان معين ، منع الإقامة في جهة معينة ، الإعادة إلي الموطن الأصلي ، الوضع تحت مراقبة الشرطة ، الإيداع في إحدي مؤسسات العمل التي تحدد بقرار من وزير الداخلية . ويعد من قبيل التدابير الاحترازية في القانون الفرنسي سحب رخصة القيادة ممن ضبط يقود مركبته في حالة سكر ، إذ هدف هذا الاجراء هو توقي خطورة إجرامية كامنة في الشخص .
الثانية : توقيع التدبير الاحترازي ولو لم ترتكب جريمة ولو لم يتواجد الشخص في حالة مجرمة بذاتها . ويكون ذلك علي سبيل الاستثناء لاعتبارات يقدر المشرع إنها تبرر اتخاذ التدبير . من ذلك ما يقرره القانون الفرنسي من فرض تدابير علاجية تتخذ إزاء مدمني الخمور الخطرين علي الغير ، ولو لم يكن قد سبق لهم ارتكاب جريمة ، وتنفذ هذه التدابير في مصحات علاجية معده لهذا الغرض .
ولا يخلو تقرير هذه الحالات من تحكم ، مع ما يمثله ذلك من خطر علي حريات الأفراد . ومن ثم ينبغي التوسع فيها ، بل من الأفضل أن يظل لها الطابع الاستثنائي باعتبارها تمثل خروجا علي القاعدة .
"سؤال فرعي " المبحث الثاني

س . أكتب في توافر الخطورة الإجرامية كشرط لفرض التدابير الاحترازية ؟

الخطورة الإجرامية هي أساس ومعيار فرض التدابير الاحترازية . ومن ثم كان توافر الخطورة الإجرامية هو الشرط الأساسي لتطبيق التدبير ، فهي مناط تطبيقه يدور معها وجودا وعدما .
تعريفاتها شيوعا في الوقت الحاضر هو التعريف الذي يستند إلي فكرة الاحتمال كمعيار لتحديد الخطورة . وعلي هذا النحو يعرف الفقه الخطورة الإجرامية بأنها " احتمال ارتكاب المجرم جريمة تاليه " وهذا التعريف كما هو واضح يحدد الخطورة الإجرامية بالنسبة لشخص سبق له ارتكاب جريمة . أما الفقهاء الذين ينظرون إلي فكرة الخطورة الإجرامية نظرة مجردة لا ترتبط بجريمة سابقة ، فإنهم يعرفون الخطورة الإجرامية بأنها " حالة نفسيه يحتمل من جانب صاحبها أن يكون مصدرا لجريمة مستقبله " .
وأيا كان تعريف الخطورة الإجرامية ، فإن هذا التعريف يشير إلي إنها مجرد احتمال ، أي توقع حدوث أمر ما في المستقبل ، وهذا هو الحد الأدني المتفق عليه في كافة التعريفات ، والأمر موضوع التوقع هو جريمة يرتكبها الشخص ذاته الذي ارتكب جريمة سابقة . ومن ثم تتحدد فكرة الخطورة الإجرامية بتحديد أمرين : معني الاحتمال ، والجريمة التالية موضوع هذا الاحتمال .

أولا : معني الاحتمال :-

يعني الاحتمال تحديد العلاقة بين مجموعة من العوامل توافرت في الحاضر وواقعة مستقبلية ، من حيث مدي مساهمة تلك العوامل في احداث هذه الواقعة .
وفي مجال تعريف الخطورة الإجرامية ، يتحدد معني الاحتمال علي النحو التالي : أن هناك عوامل معينة تدفع إلي الجريمة ، هذه العوامل قد تكون داخلية ، وقد تكون خارجية تتعلق بالبيئة الاجتماعية، فإذا درسنا هذه العوامل بالنسبة لشخص معين ارتكب جريمة ، وتساءلنا عما إذا كان من شأنها أن تدفعه إلي ارتكاب جريمة في المستقبل ، فإن هذا التسؤل معناه تحديد مدي قوة العوامل الإجرامية ، (وهي عوامل معروفة ) ، في دفع هذا الشخص بالذات إلي ارتكاب جريمة ، (وتلك واقعة مستقبلة غير معروفة ) . وفي هذه الحالة ، وعلي ضوء دراسة العوامل السابقة ، إذا أمكن القول بأن العوامل المفضية إلي الجريمة تصلح بداية لتسلس سببي ينتهي بجريمة ، كان هناك احتمال ارتكاب جريمة جديدة ممن سبق له ارتكاب جريمة . ويعني ذلك أن هذا الشخص تتوافر فيه خطورة إجرامية ، تبرر توقيع تدبير احترازي لمنعه من ارتكاب الجريمة الجديدة والإضرار بالمجتمع.
ويختلف الاحتمال من ناحية عن الحتمية، ولا شأن لها بالخطورة الإجرامية . ذلك أن الحتمية تعني أن عوامل معينة إذا توافرت ، يكون من شأنها أن تؤدي بالضرورة إلي واقعه معينة . ولا يمكن في مجالنا هذا القطع بأن وجود العوامل الإجرامية يؤدي حتما إلي الجريمة ، وهي واقعة مستقبله ، من شخص معين ، فالأحتمال يفترض الشك حول حدوث نتيجة لم تحدث بعد ، إذا توافرت أسباب تصلح لاحداثها . وتطبيقا لذلك ، لا يشترط للقول بتوافر الخطورة الإجرامية ، وإنزال التدبير الاحترازي تبعا لذلك ، أن يكون ارتكاب جريمة جديدة أمرا مقطوعا به علي سبيل الجزم واليقين ، فلا يخفي أن اشتراط حتمية وقوع الجريمة التالية لامكان توقيع تدبيرااحترازيا ، من شأنه تجريد التدابير الاحترازية في أغلب الأحوال من وظيفتها في وقاية المجتمع من الجريمة ، حيث تكون هناك ضرورة لإنزالها ، رغم أن توقع الجريمة التاليه لم يصل بعد إلي مرحلة الجزم واليقين . مفاد ذلك أن الحتمية فكرة غريبة عن الخطورة الإجرامية ، ومن ثم عن التدابير الاحترازية التي ترتبط فحسب بفكرة الاحتمال .
ومن ناحية أخري ، يختلف الاحتمال عن الإمكان . فالإمكان درجة من درجات التوقع أقل من الاحتمال ، ويعني حدوث نتيجة معينة علي إنها أمر يندر حدوثه ، فينما يعني الاحتمال نتيجة معينة علي إنها أمر من الغالب حدوثه وفقا للعادي والمألوف . وتطبيق ذلك في مجال الخطورة الإجرامية يستتبع القول بأن إمكان ارتكاب المجرم لجريمة تاليه ، لا يكفي بذاته لاستخلا خطورته الإجرامية ، ولا يبرر توقيع تدبير احترازي عليه فالخطورة الإجرامية تبني علي الاحتمال دون الإمكان .
وتحديد ما إذا كانت الجريمة التالية نتيجة ممكنة أو نتيجة محتمله ، بالنسبة للقاضي الذي يبحث في توافر الخطورة الإجرامية ، يكون مناطه مدي علم القاضي بالعوامل التي تؤدي إلي نتيجة مستقبله ، أي مدي علمه بالعوامل الإجرامية التي تغلب حدوث الجريمة المستقبله.
ولا يكفي إمكان ارتكاب جريمة تالية لتبرير فرض تدبير احترازي بحجة توافر الخطورة الإجرامية ، لأن معني ذلك التوسع في فرض التدابير بغير مقتض ، إذا أن امكان ارتكاب جرسمة جديدة أمر يسهل القول بالنسبة لمن تحيط به ظروف خاصة تجعل اقدامه علي ارتكاب جريمة أمراممكنا ، ولو لم يسبق له الإجرام من قبل , ولا يخفي ما يحتمل أن يجره إلي هذا التوسع في فكرة الخطورة الإجرامية من آثار ضاره بالنسبة للمجتمع ، الذي تقتضي مصلحته قصر نطاق التدابير الاحترازية علي من يمثلون خطورة حقيقية ، وبالنسبة للأفراد ، الذين يضارون من فرض تدابير احترازية لمجرد الخشية من اقدامهم علي ارتكاب جرائم جديدة ، ففي ذلك إهدار للاحترام الواجب للحريات الفردية وللكرامة الإنسانية .
نخلص ما تقدم إلي أن الاحتمال يختلف عن الحتمية وعن الإمكان ، وأن الخطورة الإجرامية لا تقوم إلا بتوافر احتمال ، موضوعه ارتكاب المجرم لجريمة تاليه ، فما هو المقصود بهذه الجريمة ؟

ثانيا :- الجريمة التالية :-

ينصب الاحتمال الذي تقوم به الخطورة الإجرامية علي توقع اقدام المجرم علي جريمة تاليه ، يهدف التدبير الاحترازي الذي يوقع عليه إلي تفاديها حماية للمجتمع من مخاطر الإجرام .
وتحديد موضوع الاحتمال الذي تقوم به الخطورة الإجرامية بأنه سلوك إجرامي لاحق ، أي جريمة جنائية ، يعني أن احتمال إقدام من ارتكب جريمة علي سلوك لاحق لا يصدق عليه وصف السلوك الإجرامي ، لا يكفي للقول بتوافر الخطورة الإجرامية فيه ، ولا يبرر بالتالي فرض تدبير احترازي عليه من قبيل ذلك احتمال إقدام من ارتكب جريمة علي سلوك لاحق مناف للأخلاق ، دون أن يشكل جريمة من الجرائم المعاقب عليها ، أو احتمال إقدام المجرم علي سلوك ضار بنفسه ، لا يشكل في النظام القانوني جريمة جنائية فمن يقدم علي الانتحار ، في ظل تشريع لا يعاقب علي هذا الفعل ، لا يعد مصدر خطورة إجرامية علي المجتمع ، تبرر فرض تدبير احترازي عليه .
ويقود الطابع الاجتماعي لفكرة الخطورة الإجرامية إلي عدم تحديد الجريمة التالية التي يحتمل إقدام المجرم عليها . ومن ثم لا يشترط للقول بتوافر الخطورة الإجرامية في شخص معين ، التنبؤ باحتمال إقدامه علي جريمة معينة أو علي نوع معين من الجرائم ، أو علي جريمة ذات جسامة معينة ، أو في وقت معين من تاريخ ارتكاب الجريمة الأولي ، بل يجوز فرض التدبير الاحترازي ، إذا قام احتمال – بالمعني السابق تحديده – بإقدام المجرم علي ارتكاب سلوك إجرامي لاحق ، أيا كانت الجريمة التي يحتمل ارتكابه لها .
وليس كل ذلك سوي نتائج منطقيه تترتب علي وظيفة التدبير الاحترازي في النظام القانوني ، وهي الدفاع عن المجتمع بوقابته خطورة الإجرام بصفة عامة ، وليس من جريمة معينة بالذات ، فكل جريمة تاليه ، يحتمل أن يقدم عليها المجرم ، تتساوي مع غيرها من الجرائم في إظهار الخطورة الإجرامية وتبرر فرض التدبير الاحترازي الذي يهدف إلي الحيلوله دون وقوعها .
وينتج عن هذا التصوير للخطورة الإجرامية نتيجة هامة ، هي أن التدبير الذي يتخذ قبل من ثبتت خطورته الإجرامية ينبغي أن يتجه إلي علاج الخطورة الكامنة في شخص المجرم ، لا أن يهدف إلي تفادي جريمة أو جرائم معينة تتوافر الخشية من احتمال اقدامه عليها . ويفرض هذا الاعتبار علي القاضي أن يتخير التدبير الملائم لعلاج خطورة في الشخصية الإجرامية ، لا أن يتخذ التدبير الذي من شأنه أن يمنعه من الإقدام علي جريمة معينة بذاتها ، تقوم لدي القاضي مبررات قوية علي احتمال ارتكابه لها في فترة زمنية معينة . فنوع الجريمة التالية غير محدد علي سبيل الجزم ، بينما الخطورة الإجرامية يمكن تحديدها ، من دراسة عوامل إجرامية تعد مصدرا لها بالنسبة لشخص معين .
وأخيرا نشير إلي إنه إذا كان توافر الخطورة الإجرامية شرطا لتوقيع التدبير الاحترازي ، فإن وجودها يثير صعوبات عديدة ، باعتبارها حالة نفسية لصيقة بشخص المجرم . وفي سبيل تذليل هذه الصعوبات ، ومساعدة القاضي علي استخلاص الخطورة الإجرامية ، يلجأ المشرع إلي إحدي وسيلتين .
الأولي : تحديد العوامل الإجرامية التي تعتبر مصدرا للخطورة ، بحيث يعد ثبوتها قرينة علي توافر الخطورة الإجرامية . وفي هذه الحالة يكفي أن يتحقق القاضي من وجود هذه العوامل ، ليقرر توافر الخطورة الإجرامية في شخص معين ، ويحكم بإيقاع تدبير احترازي عليه .
الثانية : افتراض توافر الخطورة الإجرامية في بعض الحالات ، لا سيما حين يرتكب المجرم جريمة ذات جسامة معينة . ويبني هذا الافتراض علي أن ما يقدم علي ارتكاب جرائم خطيرة من هذا النوع ، هو مجرم لا يثور شك في خطورته علي المجتمع . ومن ثم لم يكن هناك داع لتطلب إقامة الدليل علي توافر الخطورة فيه .
وقد أدركت تشريعات كثيرة ما يتضمنه إثبات الخطورة الإجرامية من صعوبات ، مردها كون الخطورة حالة نفسيه تكشف عنها امارات خارجية ، يحتاج تفسيرها إلي الاستعامة بأهل الخبرة الفنية . وتذليلا لهذه الصعوبات ، تقرر دول كثيرة حق القاضي ، بل والتزامة في بعض الأحوال ، في الاستعانة بالخبراء الذين يعاونونه في الكشف عن الخطورة الإجرامية . من هذه الدول نذكر فرنسا ، حيث تقرر المادة 81 من قانون الإجراءات الجنائية فيها ضرورة إجراء دراسة لشخصية المتهم . وإذا كان طلب اخضاع المتهم للفحص الإكلينكي صادرا من النيابة العامة أو من المتهم أو من محاميه ، فإنه لا يجوز للقاضي رفض هذا الطلب إلا بقرار مسبب .
**وفي مصر ، نصت المادة 127 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 علي إنه " يجب علي المحكمة في حالات التعرض للإنحراف وفي مواد الجنايات والجنح وقبل الفصل في أمر الطفل ، أن تستمع إلي أقوال المراقب الاجتماعي بعد تقديمه تقريرا بحالته يوضح العوامل التي دفعت الطفل للإنحراف أو التعرض له ومقترحاته اصلاحه . كما يجوز للمحكمة الاستعانة في ذلك بأهل الخبرة " .
لكن النص السابق يقتصر تطبيقه علي المجرمين الأحداث ، حيث لا يتبني المشرع المصري حتي وقتنا الحاضر بصفة عامة الالتجاء إلي أهل الخبره في سبيل الكشف عن الخطورة الإجرامية للمجرمية البالغين أي الذين بلغوا سن الثامنة عشرة .لذلك يكون إثبات توافر هذه الخطورة من المسائل التي تدخل في نطاق استعمال القاضي لسلطته التقديرية ، التي يقرها له القانون ، ويضع ضوابد استعمالها .
المبحث الرابع

النظام التدريجي

س- تكلم عن النظام التدريجى للسجون وتقديره

أولأ : الخصائص العامة للنظام التدريجى

كان سلب الحرية في الأنظمة السابقة غاية في ذاته، لكن هذا النظام يتضمن برنامج اصلاحى يعتمد الأسلوب التدريجى لاصلاح المحكوم عليه وذلك لاعادة اندماجه في المجتمع.
ويقوم النظام التدريجى على اساس تقسيم مدة العقوبة السالبة للحرية إلى عدة مراحل ،ينتقل المحكوم عليه من احداها إلى الاخرى ،وفقا لنظام معين يبدأ من العزل الانفرادى إلى الحرية الكاملة مرورا بمراحل أخرى متوسطة . ويتوقف الانتقال من مرحلة إلى اخرى على سلوك المحكوم عليه.
ولقد عرف النظام التدريجى صورتين : صورة قديمة وأخرى حديثة .
فالصورة القديمة كانت تتمثل في تقسيم مدة العقوبة السالبة للحرية إلى عدة أقسام، كل قسم منها يتضمن مزايا مادية معينة ،وكان ينظر إلى تلك المزايا إلى المرحلة التالية لكى يستفيد من مزاياها. فكان المحكوم عليه يتدرج من السجن الانفرادى إلى العمل الجماعى نهارا والعزل ليلا،ثم الافراج الشرطى
اما الصورة الحديثة فقد تجنبت الانتقال المفاجئ للمحكوم عليه من الوسط المغلق إلى الوسط الحر ، كما هو ملحوظ في الصورة القديمة ،ولهذا لم تكتف بتوحيد المزايا المادية في جميع المراحل واضافة مراحل متوسطة ،وإنما أضافت مزايا معنوية تمنح المحكوم عليه الثقة في نفسه وتنمى لديه روح الحياة الطبيعية . فأضيفت مرحلة يسمح فيها المحكوم عليه بالعمل خارج أسوار السجن ،وهو ما يطلق عليه النظام شبه المفتوح.
**على أن أهم ما يميز هذه الصورة الحديثة للنظام التدريجى هو تنمية ثقة المحكوم عليه في نفسه ،وقدرته على التجاوب مع نظام الحياة الطبيعى ، ويساعد على ذلك مثلا السماح للمحكوم عليه بالاشتراك في إدارة بعض جوانب الحياة داخل المؤسسة . كل هذا يجعل حياة المحكوم عليه داخل السجن قريبة من الحياة العادية مما يساعد على تأهيله واصلاحه.
وقدر الاستفادة من المزايا المادية والمعنوية منوط بدرجة قابلية المحكوم عليه للتأهيل والاصلاح ، فلا ينتقل من مرحلة إلى أخرى إلا بعد التحقق من ذلك القابلية .

ثانيا: تقدير النظام التدريجى :

لا جدال في أن النظام التدريجى يفضل الأنظمة السابقة ويتفوق عليها باحتوائه على برنامج تأهيل المحكوم عليه واصلاحه. ولقد تفادت الصورة الحديثة منه كل الانتقادات التى وجهت إليه. لكن التطبيق المرن للنظام في جملته قد يؤدى في بعض الحالات إلى الابقاء على الصورة القديمة .
ذلك انه يتعين فهم النظام التدريجى على انه برنامج للتأهيل ، لامجرد مراحل جامدة ينتقل إليها المحكوم عليه بالتدرج وبالترتيب . ففى حالات قد يكون الترتيب والتدرج ملائما،وفى حالات أخرى قد تختفى بعض المراحل، كل هذا تبعا لظروف كل محكوم عليه ودرجة تجاوبه مع كل مرحلة ومدى استعداده للتجاوب مع المرحلة التالية

س- اكتب في نظم السجون القائمة على الثقة ؟(سؤال امتحان 2)

وإلى جانب الفئة الذين هم ليسوا أهلا للثقة من المحكوم عليهم، توجد فئة أخرى منهم يمكن أن تكون محل ثقة وجديرة في نفس الوقت بتحمل المسئولية ،ومن ثم كان من المناسب عدم الزج بهم في سجون مغلقة ،وإنما على قدر الثقة ودرجة تحمل المسئولية تخفف العوائق والقيود أو تزول حسب الأحوال .

أولا : نظام العمل خارج السجن:

يقوم هذا النظام على أساس أن المحكوم عليهم المودعين في سجون مغلقة يمكن استخدامهم خارج تلك السجون في أعمال تخضع لرقابة الادارة العقابية،ويخضع لهذا النظام النزلاء الذين تكشف شخصياتهم على انهم سيحافظون على الأمن والنظام أثناء العمل خارج السجن.
وقد طبق هذا النظام لأول مرة في فرنسا عام 1842 . ويلاحظ ان المدة التى يقضيها المحكوم عليهم خارج أسوار السجن وفقا لهذا النظام تعتبر امتدادا لتنفيذ العقوبة.
ولقد عرف تطبيق هذا النظام في فرنسا تقلصا تدريجيا حتى عام 1864 حيث صدر قرار بالغائه في أغلب المؤسسات العقابية التى تأخذ به. وهو حاليا نادر التطبيق.
* ويرجع السبب في ذلك إلى أنه نظام باهظ التكاليف لأنه يحتاج إلى عدد كبير من المشرفين والحراس ، قد لا تستطيع الدولة توفيرهم .أضف إلى ذلك أن قدر الحرية الذى يسمح به هذا النظام لا يساعد على اصلاح المحكوم عليه وتأهيله،لأنه رغم عمله خارج السجن إلا انه غير مسموح له بالاتصال بالغير.

ثانيا: نظام شبه الحرية

أ- مضمون نظام شبه الحرية
هذا النظام وسط بين السجون المغلقة والسجون المفتوحة .
فوفقا لنظام شبه الحرية يسمح للمحكوم عليه، خارج المؤسسة العقابية وبدون رقابة مستمرة ،إما أن يمارس أحد الأعمال الفنية بذات الشروط التى تطبق بالنسبة للعامل الحر،وإما أن يتلقى تعليما في احدى المؤسسات التعليمية ،وإما أن يتدرب على تعلم احدى الحرف،وأما أن يخضع لبرنامج علاجى .
* ويجب عليه بعد انتهاء مدة العمل أو التعليم او العلاج ان يعود إلى السجن.
ويتمتع المحكوم عليه بحرية شبه كاملة في الفترة التى يقضيها خارج أسوار السجن، فلا يضع ملابس السجن الخاصة،كما يمكنه الاحتفاظ بقدر من الأموال تكفى للطعام والمواصلات،ويعمل لدى رب العمل بذات الشروط التى تسرى على العامل الحر. ومع ذلك فإن عليه عدة التزامات أهمها العودة إلى السجن بعد انتهاء الوقت المحدد للعمل،وتناول طعامه بالقرب من مكان العمل ،وعدم استلامه لأجره بل تتسلمه ادارة المؤسسة العقابية ،ويخضع لنظام التأديب الخاص بالمسجونين.
*ولنظام شبه الحرية صورتين:الأولى يمكن اعتباره مرحلة انتقالية في نظام تدريجى بين الوسط المغلق والحر، يسبق الافراج الشرطى،وذلك بالنسبة للمحكوم عليهم الذين تكشف شخصياتهم وسلوكهم على جدارتهم بثقة تتيح لهم الاستفادة من مزايا هذا النظام.
اما الصورة الثانية لهذا النظام فتتمثل في اعتباره نظاما مستقلا بالنسبة لأشخاص معينين وبصفة خاصة بالنسبة للمحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصرة المدة ، بحيث ينفذ منذ لحظة النطق بالحكم، متى ثبت بعد دراسة ظروفهم أفضلية هذا النظام بالنسبة لهم لتفادى تأثير السجون المغلقة على شخصياتهم.
ب- تقدير نظام شبه الحرية :
هذا النظام قليل التكاليف، ويسمح بتنظيم أفضل للعمل، كما يتيح للمحكوم عليه حفظ توازنه البدنى والنفسي،لأنه يعمل في وسط قريب من الحياة العادية،وكل ذلك يساعد على تأهيله واصلاحه . لكن أخذ على هذا النظام أنه يصعب وجود أرباب أعمال يقبلون بعمل المحكوم عليه لديهم، كما أنه لا يحقق المساواة بين جميع المحكوم عليهم إذ يستثنى منه الضعفاء والمرضى الذين لا يقدرون على العمل . وأخيرا يساعد على الاتصال الضار بين المسجونين وزملائهم بالخارج عن طريق الاستعانة بالخاضعين لهذا النظام.
ومع ذلم فإن هذه المأخذ يمكن التغلب عليها عن طريق تكثيف اتصال المسئولين عن تطبيق النظام بأصحاب الأعمال وكسب ثقتهم،والاشراف الجاد على سلوك المحكوم عليهم ومنعهم من الاتصال بأشخاص معينين.

ثالثا: النظام المفتوح

أ- ماهية النظام المفتوح
س- تكلم عن المؤسسات العقابية المفتوحة (ماهيتها – تقديرها)؟ (سؤال فرعى – سؤال امتحان 1)
يتمثل هذا النظام في مؤسسات عقابية حديثة ، لا علاقة لها بالمؤسسات العقابية التقليدية المغلقة، حيث لا أسوار مرتفعة،ولا اسلاك ولا قضبان وأقفال ولا حراسة مشددة بل مبان عادية لها أبواب ونوافذ كتلك التى تعرفها في المبانى العادية،ويتمتع فيها النزيل بحرية الحركة والدخول والخروج في حدود النظاق المكانى الذى توجد فيه تلك المؤسسة .
وأساس تطبيق النظام المفتوح هو مقدار ما يتمتع به المحكوم عليه من ثقة وأهلية لتحمل المسئولية تجاه الادارة العقابية والمجتمع ككل. فنزلاء السجون المفتوحة يتميزون بالاحترام التلقائى للنظام فلا يحاولون الهرب . ومن هنا تميزت السجون المفتوحة بازالة العوائق المادية كالأسوار العالية الحراس،والتخلى عن أساليب الاكراه المعنوية ،والاهتمام بخلق الثقة والشعور بالمسؤولية لدى النزلاء.
انتشار المؤسسات المفتوحة إزداد عقب الحرب العالمية الثانية ،إذ ارتفع عدد نزلاء السجون إلى الحد الذى لم تستطع أبنية السجون استيعابه مما دفع إلى إنشاء معسكرات لايوائهم. ولقد كشف نظام تلك المعسكرات عن نجاح ملموس في تأهيل النزلاء واصلاحهم معا شجع على انتشاره في دول كثيرة .
كما اوصت المؤتمرات الدولية المختلفة بالخذ به ، مثل مؤتمر لاهاى الجنائى والعقابى الذى عقد عام 1950 ،ومؤتمر المم المتحدة لمكافحة الجريمة ومعاملة المذنبيين الذى عقد في جنيف عام 1955.
ب- تقدير النظام المفتوح:
*من مزايا هذا النظام
أ- انه قليل التكاليف سواء من حيث انشائه أو من حيث ادارته ،إذ يتخذ عادة شكل مستعمرات زراعية واسعة ،ولا يحتاج إلى حراسة أو مبان ضخمة .
ب- ويحقق تنظيما أفضل للعمل ، ويساعد على تعلم إحدى الحرف ،ويؤدى إلى تحقيق التوازن البدنى والنفسى للنزلاء.
* وقد اخذ على هذا النظام
أ- أنه يساعد على الهرب ،إلا أن هذا للنقد مبالغ فيه لأن نسبة هرب النزلاء الخاضعين لهذا النظام ضئيلة جدا . يضاف إلى ذلك أن هرب بعض النزلاء لا يعنى فساد نظام المؤسسات المفتوحة ،وإنما يرجع إلى سوء نظام التصنيف،وما ترتب عليه من ايداع أشخاص غير جديرين بهذا النظام.
ب- وقيل كذلك في نقد النظام المفتوح انه يقلل القيمة الرادعة للعقوبة. ولكن هذا النقد لا يقوم على اساس ،لأن هذا النظام ينطوى على سلب لحرية النزيل،وفي هذا ما يكفى لتحقيق ردعه.
ج- وأخذ على هذا النظام أخيرا خطر اتصال النزلاء بأشخاص خارج المؤسسة المفتوحة، لكن هذا العيب يمكن تفاديه بإنشاء المؤسسات المفتوحة خارج المناطق الآهلة بالسكان.

س- اكتب في تقدير العمل العقابى مبينا أغراضه والانتقادات الموجهة إليه؟ (سؤال امتحان هام 4)

عندما تحول سلب الحرية إلى عقوبة ،أصبح العمل بمثابة عقوبة اضافية إلى جانب سلب الحرية ،وكانت قسوة العمل تتناسب وقسوة العقوبة ، فحيث كانت العقوبة الأشغال الشاقة .
واستمرت النظرة إلى غرض العمل العقابى على أنه ايلام المحكوم عليه،إلى ان حمل القرن العشرين رياح التطور,وتحول العمل العقابى من عقوبة اضافية إلى قيمة عقابية ذاتية ، يتجه إلى تأهيل المحكوم عليه واصلاحه. كما أصبح العمل ليس فقط مجرد التزام يقع على عاتق المحكوم عليه ،وإنما حق له ايضا تلتزم الدولة بالوفاء به.

أولا :أغراض العمل العقابى :

أ- الجدل حول وجود غرض عقابى:

ذهب بعض الباحثين إلى القول بوجود غرض عقابى للعمل يتمثل في ايلام النزيل.ويكشف هذا الرأى عن تأثر أنصاره بالأفكار التى ترى في العمل العقابى تكلمة لعقوبة أو عقوبة اضافية .
والحقيقة أن التطور الذى أصاب أغراض العقوبة حصر ألمها في سلب الحرية فقط، وبالتالى لا يجوز أن ينال المحكوم عليه أى إيذاء يتجاوز ما حدده القانون أو تفرضه طبيعة الأشياء في صورة سلب الحرية.ومن ثم يتعين استبعاد كل ألم من أغراض العمل العقابى ،الذى أضحى وسيلة معاملة فقط يهدف بالدرجة الأولى إلى تأهيل المحكوم عليه واصلاحه كما ذكرنا سابقا ،وقد اكد هذه الحقيقة مؤتمرا لاهاى وجنيف،وكذلك القاعدة 71/1 من قواعد الحد الأدنى . ومع ذلك فقد يتوافر الألم بالنسبة لأنواع معينة من الأعمال أو طائفة من المحكوم عليهم،إلا أن ذلك الألم ليس مقصودا لذاته،وإنما تفرضه طبيعة الأشياء ،ولهذا يلزم استبعاده كلما كان ذلك ممكنا.

ب- الغرض الاقتصادى:

انثمرة عمل المحكوم عليه تأخذ في الغالب صورة منتجات تحصل على قيمتها الادارة العقابية ،ولا شك في ان هذه المنتجات تمثل زيادة في الانتاج القومى .
ومع ذلك فإن الغرض الاقتصادى للعمل العقابى لا يجوز أن يطغى على حقيقة وضع السجون في الدولة الحديثة ،وهى انها ليست مرافق انتاج تلتزم بتحقيق الربح.
فالغرض الاقتصادى الذى يهدف إليه نظام العمل في السجون يجب أن يكون موقعه في المرتبة الثانية بعد التأهيل والتهذيب. وهذا ما أكدته قواعد الحد الدنى لمعاملة المجرمين القاعدة 72/2 . كما ذهبت إلى نفس المعنى التوصية الثانية لمؤتمر جنيف عام 1955 لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين.

ج- الغرض الانسانى:

يتمثل الدور الانسانى للعمل العقابى في حفظ التوازن النفسى والبدنى للمحكوم عليه،ويتحقق هذا التوازن على نحو أفضل كلما كان ذلك العمل منتجا ويستغرق الوقت المحدد له.
وتظهر انسانية العمل العقابى كذلك في وفاء المحكوم عليه بقدر من التزامه وتخفيف جانبا من الأعباء التى تثقل كاهله.

د- الغرض التهذيبى والتأهيلى:

للبطالة مخاطر على نفسية النزيل قد تكون مقدمة لتمرده وعصيانه على النظام داخل السجن،ولهذا يؤدى العمل العقابى إلى تفادى تلك المخاطر. فهو من ناحية وسيلة لحفظ النظام واحترامه لأنه يقتطع جانبا كبيرا من وقت وطاقة المحكوم عليه. كما أنه من ناحية أخرى ينمى المواهب والقدرات.
كما أن للعمل العقابى دور في تأهيل المحكوم عليه،فإما ان يساعده على اتقان الحرفة التى كان يزاولها قبل دخوله السجن وإما أن يمكنه من تعلم حرفة جديدة تتفق مع ميوله ورغباته. كما ان اعطاء النزيل مقابلا لعمله يجعله يكتشف نفسه ودوره في اشباع حاجاته ويعزف عن اشباع حاجاته عن طريق الاجرام.
وحتى يتحقق غرض التأهيل والأغراض الأخرى ، يتعين أن تتوافر شروط معينة في العمل العقابى نبينها فيما يلى :

هـ- شروط العمل العقابى :

للعمل العقابى أربعة شروط: ان يكون منتجا ، ومتنوعا ، ومماثلا للعمل الحر ،وله مقابل.
1- وانتاجية العمل تعنى الثمرات التى يغلها ذلك العمل ،فإذا لمس المحكوم عليه ثمرات عمله ،فإن ذلك يرفع من روحه المعنوية ويزيد من احترامه لنفسه وثقته فيها، مما يدفعه إلى التمسك به والحرص عليه بعد الافراج وهكذا يلعب العمل المنتج دورا في التاهيل.
2- اما تنوع العمل فيقصد به ألا يقتصر تكليف المحكوم عليه بالعمل على الأعمال الصناعية فقط ،وإنما يجب أن يمتد ليشمل أعمال الزراعة وغيرها، في جميع الأحوال يلزم أن يكون العمل متفقا مع ميول النزيل وقدراته حتى يتحقق غرض التأهيل.
3- واشتراط ضرورة مماثلة العمل العقابى للعمل الحر يقضى بأن تكون المماثلة من حيث النوع والوسيلة ،والظروف التى يؤدى فيها.
فيلزم أن يكون لنوع العمل الذى يؤديه النزيل مثيل في الوسط الحر حتى يتسنى له أن يلتحق به بعد الافراج
كما يجب أن تكون وسيلة أداء العمل داخل السجن متشابهة مع تلك الموجودة في الوسط الحر.
كما يجب ان تكون ظروف العمل واحدة داخل السجن وخارجه من حيث ساعات العمل وأوقات الراحة والأجازات ووسائل الأمن والسلامة المهنية .
فالتشابه في النوع والوسيلة والظروف بين العمل داخل السجن وخارجه يساعد على تأهيل المحكوم عليه،إذ يضمن سهوله الحصول على عمل بعد الافراج .
4- ويشترط أخيرا حتى يؤدى العمل العقابى هذا الدور أن يكون له مقابل يقترب من المقابل في العمل الحر.

ثانيا: الانتقادات الموجهة للعمل العقابى :

من الانتقادات التى وجهت إلى العمل العقابى صعوبة تنظيمه، كما انه كثيرا ما تستخدم المؤسسات العقابية وسائل تنفيذ غير حديثة ،بالاضافة إلى صعوبة استيعاب تلك المؤسسات لكل أنواع العمل التى يجب أن تتاح لجميع النزلاء.
لكن الرد على هذا النقد سها وميسور ذلك أنه إذا كانت قيود حفظ النظام لا تسمح بمزاولة بعض الاعمال بسبب طبيعتها أو لقلة امكانيات المؤسسة ، فإنه يمكن توفير عمل مشابه لتلك الأعمال التى كان يزاولها النزلاء قبل الحكم عليهم .اما النقد المتعلق بعدم استخدام وسائل تنفيذ حديثة فلا تقوم على أساس إذ أن الادارات العقابية تجتهد في توفير الوسائل الحديثة اللازمة لتنفيذ العمل العقابى . ونفس الأمر أيضا بالنسبة لأماكن تنفيذ الأعمال.
*ولعل أهم نقد وجه لذلك العمل، هو النقد الاقتصادى الذى يرى أن العمل العقابى ينافس العمل الحر من حيث الكمية والثمن ، بل قد يكون سببا للبطالة.
ومع ذلك فقد قدمت بعض الاقتراحات للتخفيف من وطأة المنافسة حيث طالب البعض بتشغيل المسجونين في أعمال غير انتاجية ،وقد أخذت انجلترا بهذا الاقتراح فترة من الزمن. ولكنه ألغى بعد ذلك بسبب آثاره السيئة على المحكوم عليهم،إذ ينفرهم من العمل ولا يساعد على تأهيلهم.
** والحقيقة أن دعوى منافسة العمل العقابى للعمل الحر مبالغ فيها، ذلك أن تلك المنافسة –إن وجدت حقيقة – فهى ضئيلة للغاية ولا تذكر على الاطلاق لعدة أسباب . فنسبة عدد العاملين في السجون ضئيلة جدا إذا ما قورنت بالعاملين في الصناعات الحرة ،كما أن أغلب المسجونين كانوا قبل دخولهمالسجن ضمن الأيدى العاملة الحرة وكانت لهم انتاجية حرة تنافس غيرها ولذا لم يتغير الوضع بسبب انتاجهم العقابى ،أما من كان لا يعمل قبل دخول السجن، فضلا عن أن نسبتهم قليلة ،فإن من حقهم قبل المجتمع أن يوفر لهم أعمالا تناسبهم، ومن ثم فإن الاعتراض على دخولهم سوق العمل –حرا كان ام عقابيا لا يقوم على أساس.
** وبصفة عامة فإن إنتاج العمل العقابى قليل،لأن تنظيمه ليس على مستوى تنظيم العمل الحر، يضاف إلى ذلك عدم ثبات العمالة داخل السجن بسبب حالات الافراج والاستقبال المتوالية ،كما ان الانتاج العقابى غالبا ما يكون ردئ أو أقل جودة من الانتاج الحر. وحتى إذا وصل مستوى الانتاج العقابى إلى مستوى جودة الانتاج الحر ،فإنه في حدود هذا القدر الضئيل من المنافسة يمكن تجنب تركيز المؤسسات العقابية في مكان واحد،وأن تتنوع الأعمال داخلها بحيث لا يختص كل نوع منها إلا بعدد صغير من العمال يكون انتاجه بالضرورة صغيرا.
**ولعل الحل الأمثل لوأد دعوى المنافسة هو ادماج العمل العقابى في الانتاج القومى ، بحيث يؤخذ في الاعتبار عند اعداد الخطة القومية ،وهذا ما يحدث تلقائيا في الدول التى تأخذ بالنظام الاشتراكى أو نظام الاقتصاد الموجه

الرعاية الصحية

المطلب الأول

أغراض الرعاية الصحية

س- اكتب في الرعاية الصحية في السجون من حيث أغراضها لأساليبها؟ (سؤال امتحان 4)
الهدف الأساسى للرعاية الصحية –كأحد أساليب المعاملة العقابية – هو تهذيب المحكوم عليهم وتأهيلهم. ويتفرع عن هذا الهدف عدة أغراض نجملها فيما يلى:
أ) أكدت أبحاث علم الإجرام وجود علاقة بين المرض والجريمة ، فقد يكون المرض- بالنسبة لبعض المحكوم عليهم-أحد عوامل اقدامهم على اقتراف الجريمة . ومن ثم يحقق علاجهم وشفائهم من مثل تلك الأمراض .وكلما كانت أجساد المحكوم عليهم معافة من الأمراض بفضل الرعاية الصحية كلما باعد ذلك بينهم وبين انتهاج السلوك الاجرامى .
ب) أن سلب الحرية وما يسبقه من اجراءات تترك أثرا على نفسية المحكوم عليه. وتكفل الرعاية الصحية ازالة تلك الآثار الضارة أو في القليل التخفيف من حدتها.
ج- ان الاهتمام بالرعاية الصحية يؤدى من ناحية إلى احتفاظ النزلاء بصحة جيدة تسهم في نجاح الأساليب العقابية الأخرى وبصفة خاصة العمل العقابى . ومن ناحية أخرى يجنب المجتمع انتشار الأمراض والأوبئة.
المطلب الثانى

أساليب الرعاية الصحية

أولا :الأساليب الوقائية
تتمثل في مجموعة الاحتياطات والشروط التى يتعين توافرها في المؤسسة العقابية وفي المأكل والملبس الذى يقدم للنزيل ،إلى جانب الاهتمام بنظافته الشخصية واتاحة ممارسته للأنشطة الرياضية والترفيهية .
أ- المؤسسة العقابية
يتعين ان يتوافر في جميع أجنحة المؤسسة العقابية الشروط الصحية . فيلزم أن تكون الأماكن المخصصة للنوم ذات مساحة معقولة بالنسبة لعدد النزلاء مزود بالأغطية التىتتناسب مع فصول السنة .
أما الماكن المخصصة للعمل او الأكل او الترفيه او الألعاب فيجب أن تكون هى الأخرى واسعة ،وبها نوافذ كبيرة تسمح بدخول كمية كافية من الاضاءة والتهوية .
ب- المأكل:
يلزم أن تكون كمية الغذاء متناسبة مع سن المحكوم عليه وحالته الصحية ،وان تكون قيمته الغذائية كافية لسلامة جسمه ونموه . وفي جميع الأحوال يجب ان تتنوع وجبات الطعام، فلا تقدم وجبات مكررة لفترات طويلة . ويتعين الاهتمام بالطريقة التى يعد بها الطعام ونظافة المطبخ والقائمين عليه.
ج- الملبس:
يلتزم كل مسجون بارتداء اللباس الخاص بالسجن، ويتعين على الإدارة العقابية ان تراعى في هذا اللباس تناسبه مع درجة الحرارة أو البرودة .
د- النظافة الشخصية:
يجب على الإدارة العقابية توفير الدوات لنظافة النزيل الشخصية ،كما يلتزم هذا الأخير باحترام برنامج نظافته وفق ما تحدده الادارة العقابية. ويقوم النزيل بالاستحمام وقص شعره وحلق لحيته وتنظيف ملابسه على قدرات دورية محددة تتفق وظروف المناخ وطبيعة العمل الذى يقوم به وحالته الصحية.
هـ- الأنشطة الرياضية والترفيهية :
لهذا يكون من الضرورى توفير الأماكن والأدوات اللازمة لهذا الغرض،وأن يتواجد مدرب رياضى لمساعدة النزلاء على ممارسة التمارين الرياضية المناسبة،كما يلزم تخصيص أوقات دورية محددة للقيام بتلك التمرينات أو التنزه الجماعى في الهواء الطلق.
و- الاشراف الطبى
حتى تحقق الوسائل الوقائية غايتها ، يجب ان يتولى الاشراف على تنفيذها الادارة الطبية بالمؤسسة العقابية
ونصت المادة 24 من اللائحة الداخلية للسجون المصرية على ان طبيب السجن مسئول عن الاجراءات الصحية للسجون المصرية على أن طبيب السجن مسئول عن الاجراءات الصحية التى تكفل سلامة صحة المسجونين وعلى الأخص وقايتهم من الأمراض الوبائية ومراقبة صلاحية الأغذية والملابس والمفروشات المخصصة للمسجونين وكفايتها وملاحظة نظافة الورش وعنابر النوم وجميع أمكنة السجن.
ثانيا :الأساليب العلاجية :
تشمل تلك الأساليب فحص المحكوم عليهم وعلاج الأمراض التى ألمت بهم سواء قبل دخول السجن أو أثناء تواجدهم فيه. ويتولى هذه المهمة جهاز فنى مستقل يتألف من طبيب أو أطباء في التخصصات المختلفة ،وهيئة تمريض، بجانب المكان الخاص باستقبال النزلاء المرضى والأجهزة الطبية اللازمة.وتنحصر الأساليب العلاجية التى يتبعها طبيب السجن في أمرين: الفحص والعلاج.
أ- فحص المحكوم عليهم:
وفقا للقاعدتين 24،25 من قواعد الحد الأدنى (اللائحة الداخلية للسجون المصرية ) يجب على طبيب السجن فحص كل محكوم عليه بمجرد دخول السجن ،وكذلك بعد دخوله على فترات دورية كلما اقتضت الضرورة ذلك. وعليه أن يوقع الكشف على المشتبه في اصابتهم بأمراض بدنية وعقلية ،وأن يتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة تلك الأمراض وعزل المصابين منهم بأمراض معدية او وبائية . ويجب عليه كذلك كشف العجز الجسمانى أو العقلى الذى يعوق التأهيل ،وتحديد مدى القدرة البدنية لكل مسجون على العمل.
ب- العلاج:
يغطى العلاج كافة العلل المرضية التى يشكو منها النزيل،أو التى يحتمل أن يكون لها تأثير ضار على صحته، سواء أكانت تلك العلل بدنية أو عقلية أو نفسية ،ولا يتحمل النزيل نفقات العلاج .
* ولقد ثار جدل حول رضاء النزيل المريض بالعلاج،إذ من المعلوم أن قبول المريض بالعلاج شرط ضرورى لتدخل الطبيب.
* ذهب رأى إلى القول بان النزلاء المرضى يجبرون على الخضوع للعلاج دون ان يكون لهم الحق في رفضه، حتى ولو كان المر يتعلق بوسائل طبية حديثة غير مستقرة في الوسط الطبى .
*لكن هذا الرأى يتعارض مع المبادئ المستقرة في علمى العقاب والطب. فمن المتفق عليه أن المحكوم عليه لا يختلف عن غيره من الأشخاص العاديين ،ويتمتع بجميع الحقوق مثلهم- عدا ما يفرضه الجزاء الجنائى- وعلى رأسها الحق في عدم اهدار آدميته وكرامته ،وكذلك أيضا حقه في العلاج.
*ومن المسلم به أيضا في مجال الطب عدم اللجوء إلى الوسائل العلاجية التى مازالت محل تجارب ولم يستقر الرأى عليها بعد في الوسط الطبى ،وعدم التدخل العلاجى إلا بعد أخذ موافقة المريض أو من يقوم مقامه صراحة على ذلك.
وتطبيق المبادئ السابقة على علاج النزلاء المرضى يقتضى منا أن نميز أولا بين العلاج كصورة من صور الجزاء الجنائى،والعلاج كوسيلة من وسائل المعاملة العقابية . ففى الحالة الأولى لا مفر من التسليم بضرورة خضوع المريض النزيل للعلاج جبرا عنه دون انتظار لموافقته او اعتداد برفضه،لأن الأمر يتعلق بجزاء جنائى. وهذا هو الحال في بعض الدول بالنسبة لطائفة الأمراض التى تعتبر عاملا اجراميا، كما هو الشأن بالنسبة لمدمنى الخمر أو المخدرات.
*اما حيث يكون العلاج وسيلة من وسائل المعاملة العقابية ،فإن رضاء النزيل به أمر ضرورى ،سواء تعلق الأمر بعلاج الأمراض البدنية أو العقلية أو النفسية وبشرط ألا يؤدى العلاج إلى إهدار كرامته وانسانيته،وان يكون الطب قد استقر على الأسلوب المتبع في العلاج. وعلى هذا نفضل استبعاد أساليب التدخل الجراحى التى لا تتقف والمبادئ السابقة مهما كانت جدواها في علاج المحكوم عليهم وتأهيلهم طالما انها تتخذ في إطار المعاملة العقابية.
* فلا نوافق على علاج المجرمين الشواذ أو معتادى الاجرام عن طريق استخدام العقاقير المخدرة او الجراحة النفسية او الصدمات الكهربائية ،لأن هذه الوسائل لم يستقر عليها الطب حتى الآن.