الحاويات و أثرها على سلامة و أمن النقل البحري

مقدمة:
تعددت أساليب و طرق النقل البحري و مرٌت بمراحل متنوٌعة،ابتداء من الطرق التقليدية المعتمدة على نقل البضائع على المسطحات المائية إلى غاية ابتكار أسلوب النقل بالحاويات الذي أدٌى إلى خلق ثورة في مجال صناعة النقل.
فنتيجة للمستجدات و التطورات المتلاحقة في أنماط التجارة البحرية، أصبح النقل بالحاويات يمثل الحصٌة الأكبر في شحن البضائع على مستوى العالم نظرا للخدمة التي قدٌمتها لمنظومة النقل المتمثلة في النقل من الباب إلى الباب، الذي يسمح للناقل البحري بالسيطرة الكاملة على البضائع من خلال جميع مراحل انتقالها بين المواقع الجغرافية و وسائط النقل المختلفة ، و هكذا أصبحت الحاويات الوسيلة المثلى للنقل الدولي بوسائط نقل متعددة و أصبحت سفينة الحاويات وسيلة النقل الرئيسية في الرحلات البحرية. فما الذي أدٌى بهذه الوسيلة لأن يكون لها هذا الأثر الواسع على عملية النقل؟
غير أن تأدية الحاويات لوظيفتها بصورة فعٌالة يستوجب ضمان سلامتها من أيٌ فقد أو تلف أو خسائر خلال تحركها و تداولها ممٌا يؤدي إلى سلامة البضائع المعبٌئة بها، و كذا سلامة النقل البحري.لذلك من الضروري التساؤل عن المبادئ و الأسس الصحيحة الواجب التقيٌد و الإلتزام بها في صنع الحاويات و عمليات شحن و مناولة البضائع المنقولة لضمان هذه السلامة؟
من جانب آخر، فإن امتيازات الحاويات أدٌى إلى إمكانية استغلالها أسوء استغلال للقيام ببعض الأعمال غير المشروعة، ممٌا أدٌى إلى مخاطر أمنية. فكيف أثٌرت الحاويات على أمن النقل البري وماهي التدابير اللازم اتخاذها لمعالجة أمن الحاويات؟
هي إشكاليات سنحاول الإجابة عنها من خلال هذا البحث متبعين الخطٌة التاٌلية:
المبحث الأول: ماهية الحاويات و نظامها القانوني
المطلب الأول:مفهوم الحاويات و استخداماتها
الفرع الأول:تعريف و لمحة تاريخية
الفرع الثاني:أنواع الحاويات و امتيازاتها
المطلب الثاني:النظام القانوني للحاويات
الفرع الأول:الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالحاويات
الفرع الثاني:القوانين الداخلية المتعلقة بالحاويات
المبحث الثاني: الجانب الأمني للنقل بالحاويات
المطلب الأول:سلامة الحاويات و المبادئ اللٌازمة للشحن
الفرع الأول:سلامة الحاويات
الفرع الثاني:تعليمات شحن الحاويات
المطلب الثاني:أثر التحوية على أمن النقل البحري
الفرع الأول:استعمال الحاويات لأغراض الهجرة و التهريب
الفرع الثاني:معاجة أمن الحاويات
خاتمة

المبحث الأوّل : ماهية الحاويات ونظامها القانوني.

قبل الخوض في أثر الحاويات على سلامة و أمن النقل البحري،يلزمنا أولا التعرف على الحاويات نفسها و على استخداماتها لتحديد أثر هذا الإستخدام نفسه على النقل"المطلب الأول".لنتطرق بعد ذلك للنظام القانوني الذي يحكم الحاويات سواء على المستوى الداخلي أو الدولي "المطلب الثاني".

المطلب الأوّل : مفهوم الحاويات واستخداماتها.

إن الإحاطة بمفهوم الحاويات يستدعي طرح مختلف التعريفات التي نسبت إليها
و كذا ظهورها، قبل عرض أنواعها التي تختلف وفقا لنوع البضائع المنقولة "الفرع الأول".لنتعرض بعد ذلك إلى المزايا التي يوفرها النقل بالحاويات، موضحين الدور الذي تساهم به الحاويات في تطوير النقل "الفرع الثاني".

الفرع الأوّل : التعريف بالحاويات ولمحة تاريخية.

وردت عدّة تعريفات بشأن الحاويات أهمّها :
تعريف اتفاقية سلامة الحاويات لـ 1972 بقولها : « الحاوية وحدة من معدات نقل البضائع صالحة للاستخدام المتكرر ذات متانة تكفي للمناولة في الموانئ وعلى السفن مصمّمة خصيصا لنقل البضائع بوسيلة أو أكثر من وسائل النقل ودون عملية إعادة تحميل وسيطة ولكي تجري رصرصتها و/أو مناولتها بسرعة ، بحيث تكون مزودة بتجهيزات ركينة لهذه الأغراض وذات حجم تكون فيه المساحة المحصورة بالأركان السفلية الخارجية الأربعة.
إمّا :  14 مترا مربعا على الأقل "150 قدما مربعا".
أو  7 أمتار مربعة على الأقل "75 قدما مربعا" إذا كانت مزودة بتجهيزات ركنية عليا. ولا يشمل تعريف الحاوية العربات "المركبات" أو العبوات إلاّ أنّه يضمّ الحاوية المحمولة على هياكل .
أمّا اتفاقية اسطنبول لـ 1990 فعرّفت الحاويات كالآتي : « يقصد بعبارة حاوية أحد أنواع معدّات النقل "سيارة رفع ، صهريج متحرك ، أو هيكل مماثل آخر " بحيث يجب أن يكون :
- مقفلا كليا أو جزئيا ليشكل مقصورة معدّة لاحتواء البضائع.
-ذا صفة ومتينا بشكل كاف ليكون صالحا للاستعمال المتكرر.
- معدّا خصيصا لتسهيل نقل البضائع بواحدة أو أكثر من وسائط النقل ، دون الحاجة لعملية تحميل وسيطة.
- معدّة للمناولة السريعة ، وعلى الخصوص عند نقله من وسيلة نقل إلى أخرى.
- معدّا لتعبئته وتفريغه بسهولة.
- أن يكون حجمه من الداخل مترا مكعبا أو أكثر.
وتتضمن الحاوية اللوازم والتجهيزات الّتي تناسب نوعها شريطة أن تكون تلك اللوازم والتجهيزات محمولة على الحاوية ، ولا يتضمن اصطلاح "الحاوية" السيارات أو لوازمها أو قطع غيارها ، أو مواد الطلبات وتعتبر الهياكل القابلة للتفكيك حاويات » .
من خلال هذين التعريفين – بالإضافة إلى تعريفات أخرى - نجد الاتفاق في تعريف الحاوية منصبا على كونها : أداة نقل ذات طابع دائم ، وهي صلبة بما يكفي ليتسنّى استعمالها مرارا وتكرارا ، وهي مصمّمة خصيصا لتسهيل نقل البضائع خلال واحدة أو أكثر من وسائط النقل من دون الحاجة إلى تحريك البضائع الموجودة بداخلها كما يتناسب تصميمها مع آليات المناولة ، إضافة إلى كونها مصممة بشكل يسهل عمليات التعبئة والتفريغ.
إلاّ أنّ الإشكال ينصب في كونها وسيلة من وسائل النقل ، كما اعتبرتها اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالنقل متعدّدة الوسائط لسنة 1980 ، وكذا نظام النقل الدولي للحاويات بالسكك الحديدية ، أم أنّها وسيلة تغلفة كما اعتبرتها قواعد هامبرج لـ 1978 بنصّها أنّها وحدة مستقلة عن البضائع ؟
وهو ما فصلت فيه المجموعة الأوروبية CJCE بمناسبة تقدير المصاريف المتعلقة بنقل البضائع ثمّ شراؤها من هونج كونج وتمّ نقلها بطريق البحر إلى هامبرج بألمانيا ثمّ بطريق البر حتّى فرانكفورت ، فقد كان على المحكمة تقدير ما إذا كانت الحاوية وسيلة نقل أو وسيلة تغلفة ، حتّى تتمكن من تحديد كيفية حساب مصاريف النقل ، وأجابت المحكمة بطريقة واضحة جدا واعتبرت أنّ « الحاوية ليست وسيلة نقل طبقا للمادة 15 فقرة 2 من قواعد المجموعة الأوروبية بتاريخ 28 ماي 1980 المتعلقة بقيمة البضائع في الجمارك. فالحاوية ما هي إلاّ طريقة تغلفة من نوع جديد ، وهي تختلف عن كل طرق التغلفة الأخرى بحجمها الكبير، و إمكانية استعمالها أكثر من مرة .فبما أنها أداة مستقلة عن السفينة أو عن أي وسيلة نقل أخرى ، فهي قابلة للاستخدام المتكرر. وبالتالي فهي ليست وسيلة نقل لسبب بسيط يتمثّل في أنّها تحتاج إلى وسيلة نقل لنقلها من مكان لآخر .
ولدت فكرة "الحاوية" في الخمسينات من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية على يد Malcon MC Lean صاحب شركة نقل داخلي ، أرشدته خبرته واهتماماته في هذا المجال إلى أنّه يمكن نقل البضائع من المصدٌر إلى الزبون بسرعة أكبر وبتكلفة أقل في حال اختصرت علميات العتالة ، فتبيّن له أنّ ذلك يتحقق بتحميل بضائع من أحجام وأنواع مختلفة مُصندَِقة داخل مستوعب أو حاوية من حجم محدّد ، مما يوفر عمليات مناولة عدد كبير من الطرود ، ويوفر استخدامها عددا كبير من اليد العاملة . من هنا بدأ النقل بالحاويات يعرف تطورا ملحوظا ، ولكنّه كان مقصورا على النقل من رصيف ميناء الشحن إلى رصيف ميناء الوصول أي على مرحلة النقل البحري فقط. إلاّ أنّ النهضة الحقيقية لاستخدام الحاويات لم تبدأ إلاّ في بداية الستينات ، وذلك استجابة لحاجات التجارة الدولية ، فساعدت تحوية البضائع على إبرام العقود من الباب إلى الباب، ممّا أثر إيجابا على التجارة الدولية.
وقد ازداد تطوّر استخدامها في مجال النقل البحري في عام 1964 عندما سيرت شركة Australian Shopping سفينة متخصصة في نقل الحاويات أطلق عليها اسم Kooringa بين مينائي ملبورن وفريمانتل ، ثمّ في عام 1965 عندما أعلنت شركة Sea Land خوضها للتجارة عبر الأطلسي بسفن حاملة للحاويات تتسع كل واحدة منها لـ 1261 حاوية ، وهي سفن منتشرة في الوقت الحالي، كونها تتكامل فيها مزايا الحاويات مع التكنولوجيا الحديثة الموجودة في هذا النوع من السفن وخاصة من حيث عمليات الشحن والتفريغ.

الفرع الثاني : أنواع الحاويات وامتيازاتها.

هناك عدّة أنواع للحاويات ، وذلك حسب نوع البضائع الّتي يمكن أن تحتويها الحاوية ، وكذا المواصفات الفنية للحاوية من حيث الأساسات ونوع المواد المصنوعة منها، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على الإيجابيات الّتي يحقّقها استخدام الحاويات في مجال النقل.
-1 أنواع الحاويات :
تتنوّع الحاويات وفقا لنوع البضائع المراد نقلها ، ويمكن تقيمها إلى نوعين :
أ) حاويات البضائع العامة : وهي حاويات غير مصنوعة لنوع معيّن من البضائع ، وهذا النوع بدوره مقسم إلى أنواع وفقا لأساسات الحاوية وطرق الوصول إلى داخلها للتعبئة والتفريغ ، من أهمّها :
* حاويات ذات الاستعمال العام : وهي حاويات مقفلة بشكل تام ، سقفها وجوانبها صلبة ، أحد جوانبها على الأقل فيه باب وخصص لنقل أنواع مختلفة من البضائع أي البضائع الجافة أو السائلة متى كانت معبّأة في علب معدنية أو بلاستيكية.
* حاويات ذات السقف المفتوح : حاويات تشبه حاويات الاستعمال العام باستثناء وجود سقف متحرك وقابل للنقل مصنوع من القماش أو البلاستيك ، ويمكن تثبيته بالنواحي الأربع للسقف ، ويستخدم هذا النوع لنقل البضائع الثقيلة جدا أو ذات الحجم الكبير ، كما تستخدم لشحن البضائع الّتي لا يمكن رفعها إلاّ بالمرافع العلوية.
* حاويات مسطحة : أي من دون أساسات عليا، ولكن لها نفس طول وعرض الحاويات العادية ومجهزة بزوايا بهدف التمكين من مناولتها وأحيانا بعجلات تسمح لها بالتدحرج لتسيير عمليات الشحن والتفريغ والرصّ على أرصفة الموانئ.
* حاويات ذات قوائم وذات جوانب مفتوحة : وهي تتميّز بانّ جوانبها غير ثابتة .
ب) حاويات البضائع الخاصة : وهي حاويات ذات تصميم خاص ، فتتنوّع أشكالها حسب نوع البضائع ومنها :
* حاويات ذات موصفات حرارية : وهي ذات جوانب وأرضية وسقف معزولين حراريا لتخفيض تبادل الحرارة بين داخل وخارج الحاوية.
* حاويات حرارية مسخنة : وهي ذات مواصفات حرارية ومزودة بجهاز منتج للحرارة.
* حاوية مبرّدة : وهي ذات مواصفات حرارية ، مزودة بجهاز مبرّد تضمن الاحتفاظ بالبرودة عند مستوى معيّن.
* حاويات الخزانات : وهي الّتي تستخدم في نقل الزيوت والحوامض أو لنقل الغاز المضغوط أو الغاز المسيل ، فهي غالبا ما تكون على شكل خزانات معدنية محكمة .
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ اتفاقية اسطنبول أوجبت أن تطبع على الحاوية المعلومات التالية بشكل واضح وبمكان مناسب ومرئي :
- هوية صاحبها أو مشغلها الرئيسي.
- علامات وأرقام تحديد الحاوية ، والمخصصة من قبل صاحبها أو مشغلها الرئيسي.
- وزن الحاوية فارغة بما فيها تجهيزاتها المركبة بشكل ثابت.
-2 امتيازات الحاويات :
أصبح النقل بواسطة الحاويات ينظم نقل تجارة البضائع المصنعة ، وهي النسبة الأكبر في التجارة العالمية. فنتج عنه تغيير في أنماط وممارسات النقل ، حيث تزايد نقل البضائع من الباب إلى الباب واكتسب النقل متعدّد الوسائط أهمية كبرى، وهذا راجع إلى ما يتميّز به النقل بالحاويات من إيجابيات.
فمن ناحية الشحن أدّى استعمال الحاويات إلى توفير الكثير من المال على الشاحن ، إذ يمكن لسفينة الحاويات أن تشحن أو تفرغ حمولتها في جزء من الزمن الذي تستغرقه سفينة الشحن التقليدية لإتمام أي من العمليتين ، وهكذا فإنّ تكاليف الشحن والتفريغ تنخفض ، كما يساعد ذلك على سرعة ومرونة تداول وانتقال البضائع إلى عدد أكبر من العملاء ، وبالتالي سرعة التسليم.
كما أنّه وباعتبار الحاوية عازلة وصلبة وغير قابلة للكسر، فهي إلى حدّ الآن وسيلة التغلفة الأكثر أمانا ، إذ تعتبر واقية للبضائع بحيث تقلّل من خطورة هلاك وتلف البضائع، فالنقل بالحاويات المبردة يسمح بالمحافظة على المواد الغذائية القابلة للتلف من الحرارة والبرودة والرطوبة ومن جميع التقلبات الجوية ، ناهيك عن الحدّ من حالات السرقة كون أنّ الحاوية تغلق بإحكام.
من ناحية النقل قدمت الحاوية الحل الأمثل لمنظومة النقل ، كونها سهّلت النقل من وسيط إلى آخر وهي معبّئة دون تفريغ أو إعادة تصنيف محتوياتها ، كما مكّنت الناقل البحري من تقليل المساحات الضائعة داخل السفينة دون خوف على البضائع الموجودة بداخلها من التلف ممّا أدى إلى استغلال السفينة على أكمل وجه.
من ناحية الموانئ البحرية ، فقد أدّى استخدام الحاويات إلى ظهور محطات تداول الحاويات لتفريغ وشحن السفن بدلا من شركات الشحن والتفريغ النمطية ، كما أدّى تطوّر سفن الحاويات إلى تطوير وزيادة طاقات محطات تداول الحاويات بالموانئ وتزويدها بمعدات حديثة لتفريغ وشحن سفن الحاويات ، وإلى إنشاء موانئ متخصصة للحاويات .
إضافة إلى أنّ السفن الحاملة للحاويات أصبحت تمكث في الموانئ من %20 إلى %30 من مدّة الرحلة ، على عكس السفن العادية الّتي تمكث %60 من وقت رحلتها ، وانتقلت التكاليف من 22 دولار إلى 6 دولارات .
إلاّ أنّ هذه الامتيازات الموجودة في استخدام الحاويات لا تمنع من وجود نقائص تتركز خاصة في عدم التوازن في تدفقات البضائع مما يجعل الحاويات تعود فارغة أو يتمّ استيرادها فارغة لإعادة تصديرها معبّئة ، وفي ذلك خسارة لمالك الحاوية أو مستأجرها.

المطلب الثاني : النظام القانوني للحاويات.

نظرا لاستعمال الحاويات في النقل الدولي أكثر منه في النقل الداخلي ، فقد وضعت معاهدات واتفاقيات دولية تعمل على تنسيق وتسهيل هذا الاستعمال (الفرع الأوّل). والجزائر كغيرها من الدول الّتي وقعت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحاويات قامت بوضع قواعد قانونية داخلية لتنسيق الاستعمال (الفرع الثاني).

الفرع الأوّل : الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحاويات.

أهمّ هذه الاتفاقيات : اتفاقية جنيف لـ 1972 واتفاقية اسطنبول لـ 1990.
-1 اتفاقية جنيف لـ 1972 : وهي اتفاقية متعلقة بسلامة الحاويات أبرمت بتاريخ 1972/12/02 ، ودخلت حيز التنفيذ في 1977/09/06 على مستوى مجلس التعاون الجمركي. تهدف هذه الاتفاقية إلى تسهيل النقل الدولة بواسطة الحاويات ، ولهذا الغرض فإنّها تضع معايير صنع الحاويات وتحدّد نظام الاعتماد وكذا تسهيلات القبول المؤقت وتصليح الحاويات. وعليه فإنّ الحاويات الّتي تتوفر فيها الشروط المحدّدة في الاتفاقية تستفيد من اعتماد لنقل البضائع تحت الختم الجمركي.
-2 اتفاقية اسطنبول المتعلقة بالإدخال المؤقت المبرمة بتاريخ 1990/06/26 ، وهي اتفاقية مبرمة تحت رعاية مجلس التعاون الجمركي ، هدفها الأساسي تبسيط وتنسيق الإجراءات الجمركية خاصة إقرار وثيقة دولية موحدة تجمع بين جميع الاتفاقيات الموجودة حول الإدخال المؤقت. وهذا من شأنه أن يسهّل الوصول إلى الأحكام الدولية للإدخال المؤقت ويسهم بشكل فعّال في تطوير التجارة الدولية. من القواعد الّتي وضعتها هذه الاتفاقية والّتي مسّت الحاويات ، نجد القبول المؤقت للحاويات لنقل البضائع داخل الإقليم الجمركي دون دفع الحقوق والرسوم الجمركية ودون دفع الكفالات ، ولكن شريطة أن تتوافر فيها الشروط المحدّدة في هذه الاتفاقية من علامات وضرورة الاعتماد وغير ذلك.

الفرع الثاني : القوانين الداخلية المتعلقة بالحاويات.

تتمثل النصوص الأساسية المتعلقة بالحاويات في :
- المرسوم رقم 01-78 المؤرخ في 1978-01-21 المتضمن مصادقة الجزائر على اتفاقية جنيف المتعلقة بسلامة الحاويات المبرمة في 1972-12-02 ، والمصادقة على هذه الاتفاقية يسمح بالمحافظة على درجة عالية من السلامة للعنصر البشري عند استعمال الحاويات ، باعتبار أنّ الاتفاقية تضبط المواصفات الّتي يجب أن تتوفر فيها ، كما أنّها ستمكن من تيسير علميات النقل الدولي والبري والبحري.
- المرسوم الرئاسي رقم 03-98 المؤرخ في 1998-01-12 المتضمن المصادقة على الاتفاقية المتعلقة بالقبول المؤقت المبرمة في اسطنبول بتاريخ 1990/06/26 .
- قانون الجمارك الجزائري : الذي تناول الأنظمة الجمركية الاقتصادية في فصله السابع حيث نصت المادة 155 مكرر : « تشمل الأنظمة الجمركية الاقتصادية العبور المستودع الجمركي ، القبول المؤقت... ».
وتمكّن هذه الأنظمة من تخزين البضائع وتحويلها واستعمالها وتنقلها بتوقيف الحقوق الجمركية والرسوم الأخرى وتدابير الحظر ذات الطابع الاقتصادي الخاضعة لها.
كما نصّ القانون الجمركي في المادة 174 على القبول المؤقت ، فعرّفته كالتالي: «يقصد بالقبول المؤقت النظام الجمركي الذي يسمح بأن تُقبل في الإقليم الجمركي البضائع المستوردة لغرض معين والمعدّة لإعادة التصدير خلال مدّة معينة مع وقف الحقوق والرسوم ودون تطبيق المحظورات ذات الطابع الاقتصادي.
أ) إمّا على حالتها ، دون أن تطرأ عليها تغيرات باستثناء النقص العادي للبضائع نتيجة استعمالها.
ب) وإمّا بعد تعرضها لتحويل أو تصنيع أو معالجة إضافية أو تصليح في إطار القبول المؤقت من أجل تحسين الصنع ».
كما خصّص القانون الجمركي القسم الحادي عشر لنظام القبول المؤقت مع إعادة التصدير على حالتها ، حيث بيّن في المادة 180 منه البضائع الّتي تستفيد من هذا النظام من بينها الحاويات ، إذ جاء فيها : « يقبل خاصة من أجل إعادة تصديره على حالته تحت نظام القبول المؤقت ما يأتي...
- الحاويات والألواح والتغليفات والعينات والبضائع الأخرى المستوردة في إطار عملية تجارية للقيام بالاختبارات أو الاستعراضات..."
وقد حدّد المقرر رقم 04 المؤرخ في 1999/02/03 الصادر عن المديرية العامة للجمارك شروط وكيفيات تطبيق هذه المادة ، إذ بيّن إجراءات الاستفادة من نظام القبول المؤقت وحدّد صلاحيات السلطة المعنية بمنح الترخيص والمدّة المحدّدة للبضائع المقبولة مؤقتا للمكوث في الإقليم الجمركي وكيفيات تصفية النظام.
كما فصلت التعليمات والمذكرات المتخذة من طرف مكتب التشريع والتنظيم إلى جانب الديوان في مجال تطبيق الإجراءات الجمركية المتعلقة بالنظام الجمركي الذي تخضع له الحاويات الّتي تدخل الإقليم الجمركي في إطار عملية تجارية أهمّها :
- المذكرة رقم 177/م و ج/ م ف3/ ت ت/ المؤرخة في 1978/02/22 المتعلقة بنقل البضائع بالحاويات.
- التعليمة رقم 21/ م ع ج/ الديوان/120 المؤرخة في 1995/07/17 المتعلقة بالقبول المؤقت للحاويات والاستفادة من إجراء الحساب المفتوح.
وعليه فإنّ الاتفاقيات الدولية والنصوص الداخلية قد أدرجت الحاويات ضمن البضائع "معدات النقل" الّتي تستفيد من نظام القبول المؤقت والّتي تقبل من أجل إعادة تصديرها على حالتها ، أي دون أن تطرأ عليها تغييرات باستثناء النقل العادي نتيجة الاستعمال ، وذلك لمدّة معيّنة مع وقف الحقوق والرسوم ودون تطبيق تدابير الحظر ذات الطابع الاقتصادي.

المبحث الثاني : الجانب الأمني للنقل بالحاويات.

إذا كان عنصر الخطر يغلب على النقل البحري ، فإنّ استخدام الحاويات أظهر جانبا آخر لهذا الخطر ، السبب الذي جعل مشكلة سلامة النقل البحري يأخذ بعدا آخر (المطلب الأوّل) ، كما أنّه أدّى إلى استغلال الحاويات أسوأ استغلال للمساس بأمن النقل البحري (المطلب الثاني).

المطلب الأوّل : سلامة الحاويات و المبادئ اللٌازمة للشحن.

إن الدور الإيجابي الذي تلعبه الحاويات في تطوير النقل البحري لن يتأتي إلا بضمان سلامته.وهذا يتحقق بتبني قواعد تسمح باستخدام الحاويات بطريقة آمنة "الفرع الأول".و الإلتزام بالمبادئ الصحيحة في عمليات الشحن حماية للسفن، البضائع و البيئة البحرية "الفرع الثاني".

الفرع الأوّل : سلامة الحاويات.

أمام التطور الهائل للنقل بالحاويات كان لابدّ من وضع قواعد وأنظمة دولية ترعى تصميم وصناعة وتسجيل واستخدام الحاويات بالطريقة الّتي تؤمن السلامة العامة وتحدّد المقاييس ، وقد تمّ ذلك عن طريق قواعد أنظمة ISO والاتفاقية الدولية لسلامة الحاويات.
-1 أنظمة الإيزو ISO : أصدرت المنظمة الدولية للتقييس ISO منذ إنشائها سنة 1947 سلسلتين من المواصفات في مجالات مختلفة. السلسلة الأولى تعلّق بأنظمة إدارة الجودة ، والثانية بأنظمة إدارة البيئة . وبالرغم من أنّ كافة المواصفات الصادرة عن المنظمة اختيارية ، إلاّ أنّ الكثير من الدول تعتبرها مواصفات دولية لها.
من بين هذه المواصفات نجد مجموعة المواصفات القياسية ISO المتعلقة بالحاويات أهمّها :
- مواصفات قياسية لسنة 1984 تحدّد مواصفات زوايا الحاويات ، وقد تمّ إدخال تعديلات عليها سنة 1990 .
- مواصفات قياسية لسنة 1988 تحدّد متطلبات الفحص والاختيار للحاويات ذات المميزات الحرارية .
- مواصفات قياسية لكيفية مناولة وحماية حاويات البضائع .
- مواصفات قياسية لسنة 1991 تحدّد متطلبات الفحص والاختيار للحاويات المخصصة للغازات والسوائل والسوائب المضغوطة ، وأخرى خاصة بالحاويات المخصصة للسوائب غير المضغوطة .
- مواصفات قياسية لسنة 1990 تحدّد متطلبات والاختيار لحاويات البضائع العامة .
- مواصفات قياسية لسنة 1984 تحدّد نظاما لتعريف وتسجيل الحاويات ثمّ إدخال تعديلات عليها في سنتي 1988 و1995 .
- مواصفات قياسية تقسم الحاويات إلى فئات تبعا لقياساتها الخارجية .
- مواصفات قياسية لسنة 1990 تحدّد مميزات واجهات الحاويات .
- مواصفات قياسية لسنة 1990 تحدّد طريقة لتعريف مكان وجود حاوية على ظهر السفينة .
- مواصفات قياسية لسنة 1990 تحدّد نظاما موحدا لنقل المعلومات عن حاوية موجودة على ظهر السفينة إلى الميناء التالي .
- مواصفات قياسية لسنة 1990 تحدّد رموز اتصال عامة لتبادل معلومات حول حاوية .
- مواصفات قياسية لسنة 1990 تضع نظاما للاتصال من كمبيوتر إلى آخر في معلومات تجارية متعلقة بالحاويات لتبادل معلومات حول حاوية .
كل هذه المواصفات وغيرها هي بمثابة أنظمة تساعد على مواجهة المخاطر والحوادث الّتي يمكن أن يواجهها النقل بالحاويات.
-2 الاتفاقية الدولية لسلامة الحاويات لسنة 1972 :
تطبيقا لهذه الاتفاقية وحتّى تستعمل الحاويات في نقل البضائع لابدّ أن تكون محلّ اعتماد من قبل السلطات المختصة والّتي غالبا ما تكون إدارة الجمارك .
وحتّى تستفيد الحاويات من الاعتماد الجمركي يجب أن تتوافر فيها شروط تضعها إدارة الجمارك تسهل لها مهام المراقبة والفحص والمتابعة داخل الإقليم الجمركي إذ يجب أن تكون الحاوية مصنوعة ومهيّأة بحيث :
- يمكن وضع الأختام الجمركية بطريقة سهلة وفعالة.
- ألاّ يمكن لأيّة بضاعة أن تُفصل من الأجزاء المختومة للحاوية أو إدخالها دون أن تترك بصمات خرق بارزة ودون خرق الختم الجمركي.
- ألاّ تترك أي فضاء غير معدّ للوضع العادي للبضائع.
- أن تكون كل الفضاءات المؤهلة لاحتواء البضائع سهلة الدخول للمراقبة من طرف أعوان الجمارك .
هذا بالإضافة إلى الشروط التقنية الواجب توافرها في الحاويات والمتمثلة في خصائص الحاويات إذ يجب أن تكون :
- مقفلة كليا أو جزئيا ليشكل مقصورة معدّة لاحتواء البضائع.
- معدّة خصيصا لتسهيل نقل البضائع بواحدة أو أكثر من وسائط النقل ، دون الحاجة لإعادة التحميل.
- معدّة للمناولة السريعة ، معدّة لتعبئتها وتفريغها بسهولة.
- معدّا لتعبئته وتفريغه بسهولة.
- أن يكون حجمها من الداخل مترا مكعبا أو أكثر.
- وأن تتضمن الحاوية اللوازم والتجهيزات الّتي تناسب نوعها شريطة أن تكون محمولة على الحاوية.
عند توافر هذه الشروط التقنية والجمركية ، تقوم السلطات المؤهلة بإصدار شهادة اعتماد لطالب الاعتماد صالحة حسب الحالة لمجموعة محدودة أو غير محدودة من الحاويات الّتي تنتمي إلى النموذج المعتمد.
عند استفادة المصنع من الاعتماد يلتزم بوضع ، قبل استعمال الحاوية لنقل البضائع تحت الختم الجمركي صفيحة اعتماد على الحاوية أو الحاويات المعتمدة ، تتضمن عبارة "معتمد لأجل النقل تحت الختم الجمركي".
ويجب أن تثبت صفيحة الاعتماد بشكل دائم في مكان مناسب ومرئي بوضوح وإلى جانب كل صفيحة رسمية أخرى ، ويجب أن تكون ذات 20 سم طولا و10 سم عرضا .
إلاّ أنّ هذا الاعتماد لا يمنع السلطات المعنية من مراقبة الحاويات المعتمدة عن طريق إجراء كشف لها للتأكد من سلامة هيكلها وقدرتها على تحمّل عمليات المناولة على السفن وفي الموانئ ، فإذا ثبت من خلال هذا الكشف وجود عيب في الحاوية يشكل خطرا على سلامة الأشخاص أو عملية مناولتها ونقلها على السفن ، تمّ إيقافها وإجراء صيانة لها لإعادتها إلى وضع سليم قبل استعمالها من جديد. وفي حالة عدم إمكانية صيانتها، يتمّ إيقاف استعمالها وإبلاغ الجهة الّتي أصدرت الاعتماد للحاوية.
ويكون فحص وصيانة الحاوية على مسؤولية مالكها ، وكذلك المحافظة على الحاوية في وضع آمن لتوفير مستوى السلامة الكافي أثناء مناولتها ونقلها على السفن بما يضمن عدم تعريض حياة أي شخص للخطر. أمّا الإصلاحات الواجب إجراؤها لإصلاح الأضرار الناتجة عن الحوادث أو سوء الاستعمال أو المناولة ، فتكون على مسؤولية الجهة الّتي يثبت تسببها بإحداث تلك الأضرار.

الفرع الثاني : تعليمات شحن الحاويات.

والمقصود هنا بالشحن ؛ شحن البضائع داخل الحاويات "L’empotage" من ناحية، ورصّ الحاويات في الأماكن المعدّة لها في السفينة من ناحية أخرى.
فيما يتعلّق بشحن البضائع ، جاء القرار OMI/OIT المتعلق بشحن الحمولة داخل الحاويات ببعض التعليمات الّتي تهدف إلى تجسيد المبادئ الأساسية الواجب احترامها عند شحن البضائع داخل الحاويات من أجل ضمان سلامة الأرواح ، الحمولة وكذا السفينة.
فقبل الشحن يفرض القرار تفتيشا خارجيا "فقرة 1/2" وداخليا "فقرة2/2 للحاوية المعدّة لشحنها بالبضائع مع ضرورة توزيع ثقل الحمولة داخل الحاوية بشكل متناسق "فقرة2، 3، 5". أمّا فيما يخص رص الحمولة داخل الحاوية، فلابدّ أن يكون بطريقة تجعل البضائع متقاربة، لذلك يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار طبيعة البضاعة "فقرة 1، 3، 4". فمثلا الحمولة الخفيفة يستوجب رصّها فوق الحمولة الثقيلة ، والبضائع السائلة تحت البضائع الصلبة "فقرة 2، 3، 6".
وعند الانتهاء من الشحن لابدّ من تثبيت الحمولة من الأمام تفاديا لسقوطها عند فتح باب الحاوية.
أمّا رصّ الحاويات أو تستيفها فالمقصود به ترتيبها في عنابر السفينة بطريقة تحقق من ناحية الحفاظ على سلامة الحاوية من مخاطر الهلاك أو التلف أثناء السفر ، ومن ناحية أخرى الحفاظ على بدن السفينة نفسها وتوازنها وبالتالي سلامتها.
ولما كان رصّ الحاويات له تأثير قويّ على ثبات السفينة وسلامتها فهو يدخل ضمن اختصاصات الربان الفنية بحيث يلتزم نيابة عن الناقل بالإشراف عليها وبالاطمئنان على أنّ الرص والتستيف قد تمّ بطريقة مطابقة لاشتراطات السلامة .
كما يتولى ضابط تحت مسؤولية الربان إعداد خريطة توضح أماكن الحاويات في السفينة تسمّى خريطة الشحن "Plan de chargement" وهي خريطة توضح أماكن الحاويات سواء داخل العنابر أو على سطح السفينة بهدف تسهيل تداولها وتحريكها سواء عند الشحن أو عند التفريغ والمحافظة على البضائع الموجودة لها وعلى سلامة السفينة وتوازنها .
قد يتمّ شحن الحاويات على سطح السفينة ، وهذا النوع من الشحن يطرح مشاكل فيما يتعلّق باختلال توازن السفينة ، كما أنّه يعرّض البضاعة للخطر في حالة هيجان البحر والتقلبات الجوية ، وقد يؤدي إلى سقوط الحاويات في البحر ، هذا الأمر إن كان سيؤثر على سلامة النقل البحري ، فإنّه سيؤثر بصورة أكبر على البيئة البحرية لذلك فإنّه عند اكتشاف سقوط الحاوية في البحر ، لابدّ من التأكد من عدّة نقاط تتعلّق بنوع البضاعة الّتي تحملها الحاوية إذا كانت خطيرة . وهل يمكن أن تتدفق خارج الحاوية ، خاصة إذا اصطدمت الحاوية بالسفينة ، وما إذا كانت الحاوية سوف تطفو على الماء أم تغوص في عمق البحر.
لذلك تحسبا لمثل هذه الحوادث لابدّ من تحديد الحاويات الّتي تحتوي على مواد خطيرة ، فنجد مدوّنة IMDG تنصّ على ضرورة وضع علامات وملصقات على الحاوية تحدّد أنّ البضاعة عبارة عن مواد ملوثة للبيئة البحرية ، وكذا تحديد الاسم الكيميائي المعروف للمادة الملوثة للبيئة البحرية ، بحيث يوضع الاسم بين قوسين ، على أن تكون هذا الملصقات على جانبي الحاوية .
اتفاقية ماربول 78/73 Marpol من جهتها نصّت ضمن الملحق الثالث على قواعد خاصة بتلوث البيئة البحرية عن طريق المواد الخطيرة المنقولة بحرا ، وجاءت بتعليمات تخص النقل بالحاويات ، فنصّت على أنّه في حالة عدم وجود ملصقات بالحاوية تبيّن نوع البضاعة ، اعتبرت هذه الأخيرة مواد خطيرة ملوثة للبيئة البحرية ، إلى أن يثبت التحليل الكيميائي العكس.
أمّا في حالة ما إذا كانت الحاوية لا تضمّ بضائع خطيرة عندئذ يكون أثرها على البيئة البحرية أقلّ شدّة ، وإن كان من الأفضل إخراجها من البحر واسترجاعها لتفادي الحوادث وتأثيرها على الملاحة البحرية.
وإن كان بظهور سفن الحاويات أي السفن المخصصة لنقل الحاويات أصبح يراعى في تصميمها إمكانية نقل ما يتراوح بين 25%و40% من حمولتها على السطح كما يصمٌم هيكلها بحيث يقلّل من ضغط المياه على بدن السفينة وحمولتها فضلا عن تزويدها بخزانات لتقليل تمايل السفينة ، وكذا تزوّد أسطحها بمسّاكات لتثبت الحاويات على سطحها بحيث تصبح الحاويات جزءا من بدن السفينة ، ممّا يقلّ معه احتمال سقوط الحاويات في البحر ، لكنّه لم يستطع منعه تماما .

المطلب الثاني : أثر التحوية على أمن النقل البحري.

إنّ التهديدات والمخاطر الّتي تواجه الحاويات لا يمكن تجاهلها ، فالتطور الهائل لهذا النقل صاحبه استخدام الحاويات لأغراض غير قانونية (الفرع الأوّل) ، الأمر الذي يتطلب مراقبة أكثر دقة لمواجهة هذه الظاهرة وتحقيق أمن النقل البحري (الفرع الثاني).

الفرع الأوّل : استعمال الحاويات لأغراض الهجرة السرية والتهريب.

إنّ شحن البضائع أثناء النقل البحري في حاويات بالغة الضخامة يتمّ تفريغها في موانئ بعجلة وسرعة كبيرة ، بالنظر إلى ارتباط خطوط سير السفن بمواعيد محدّدة ، يضع أجهزة المراقبة والتفتيش بهذه الموانئ أمام مهمّة صعبة ، إن لم تكن مستحيلة لتفتيش هذا الكم الضخم من الحاويات بالدقة الواجبة ، وتبرز هذه الحقيقة واضحة في الدول النامية الّتي تقلّ فيها الإمكانيات المادية اللازمة لإجراء علميات الفحص والتفتيش ممّا جعل الحاويات الوسيلة الأمثل لممارسة التهريب ، تجار ة الأسلحة ، الهجرة السرية وغيرها.
-1 الهجرة السرية :
حاولت الاتفاقية الدولية المتعلقة بالمهاجرين السريين لسنة 1957 والّتي لم تدخل بعد حيز التنفيذ أن تضع نظاما دوليا معترفا به من أجل معالجة مسألة الهجرة السرية ، إذ لا وجود لإجراء دولي متبع من أجل إنزال المهاجرين السريين من السفينة وإعادتهم إلى وطنهم. لذلك ومع تفاقم هذه الظاهرة وتزايد عدد المهاجرين السريين المتوفين ، تبنّت المنظمة البحرية الدولية "OMI" القرار (20) A.87 بتاريخ 27 نوفمبر 1997 المتعلق بإسناد وتقسيم المسؤولية في حالة الهجرة السرية . وقد عرّفت المهاجر السري بأنّه "كل شخص مختبئ على متن السفينة أو داخل الحمولة "الحاوية" دون موافقة المجهز أو الربان أو أي شخص مسؤول ، والذي تمّ العثور عليه بعد مغادرة السفينة للميناء ".
ويطالب هذا القرار كل الدول باتخاذ التدابير اللازمة للحدّ من هذه الظاهرة وكذا إلى قيام مسؤولية الأطراف المعنية أي الربان ، المجهز ، دولة ميناء الشحن ، ودولة ميناء الوصل.
ما يهمّّنا هو أنّ القرار "A.871(20)" يفرض على المجهز وممثليه اتخاذ التدابير اللازمة لمنع المهاجرين السريين من التسلل إلى السفينة واختبائهم داخل الحاويات وكذا استخدام الوسائل الّتي تسمح بالكشف عن وجودهم داخل الحاويات قبل مغادرة السفينة.
كما تفرض المدونة الدولية لأمن السفن والمنشآت المينائية "ISPS" على شركات النقل ، من أجل ضمان أمن السفن ، اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية من بينها تفحص أقفال الحاويات قبل الإقلاع ، وتفتيش الحاويات الفارغة وكذا تلك الّتي تحتوي على أبواب من الجوانب ومن الأسفل.
بالرغم من اتخاذ كل التدابير الوقائية للحيلولة دون اختباء الأشخاص داخل الحاويات ، فقد يكتشف وجود مهاجر سرّي على متن السفينة ، عندئذ يقوم ربان السفينة بتسليم هذا الراكب الخفي إلى السلطات المختصة في أوّل ميناء تتوقف فيه السفينة بعد اكتشاف وجوده، أو نقله إلى سفينة أخرى متجهة إلى الميناء الذي صعد منه المسافر .
عندما يتمّ تسليم المسافر خفية إلى السلطات المختصة ، يلتزم الربان بأن يقدّم لهذه السلطات تصريحا موقعا منه ، يتضمن جميع المعلومات الّتي لديه والمتعلقة بالراكب الخفي بما في ذلك جنسيته وميناء ركوبه وتاريخ وساعة العثور عليه ، وموقع السفينة الجغرافي في ذلك الوقت والتاريخ وكذلك ميناء ذهاب السفينة وموانئ التوقف التالية ، مع تواريخ الوصول والمغادرة .
-2 التهريب باستعمال الحاويات :
إنّ ظاهرة الحاويات لا تخلو من الصعاب الّتي قد تواجه إدارة الجمارك عند مراقبة تدفق البضائع ، إذ ليس من الصعب إخفاء بضائع محظورة أو مرتفعة الرسوم كالأسلحة الكحول ، المخدرات ، وذلك ضمن الحمولة المنقولة بطريقة شرعية ، في أسفل الحاوية أو في جوانبها ، ذلك أنّ إدارة الجمارك لا تستطيع أن تقوم بالفحص المادي في كل الأحيان. من جانب آخر فإنّه يمكن تمرير بعض الحاويات بفضل نظام النقل من الباب إلى الباب ، حيث يتمّ شحن الحاوية بالبضائع من طرف المرسل ، ولا يمكن تفريغها إلاّ من قبل المرسل إليه نفسه. وبالتالي فإنّ المهربين للحمولة لا يخشون من احتمال اكتشاف الناقل أو السلطات المينائية المحتوى الحقيقي للحمولة ، وإخبار إدارة الجمارك ، ممّا شجع من خلال المخطط المسمّى "حصان طروادة" cheval de Troie" بوضع تعريفات لبضائع تجارية مشروعة ، والقيام بشحن بضائع خطيرة كالأسلحة النووية والبيولوجية.
كما قد تكون هناك معاملات غير مشروعة تخضع لها الحاويات نظرا لهيكلها ولمواصفاتها التقنية الصعبة المراقبة. لذلك ، فإنّه بالإمكان وضع مخابئ معدّة للتهريب داخل الحاوية والّتي يصعب على عون الجمارك تحديدها.

الفرع الثاني : معاجلة أمن الحاويات.

سعيا وراء تحقيق أمن الحاويات وبالتالي أمن النقل البحري تقوم إدارة الجمارك برقابة عمليات النقل بواسطة الحاويات ، وذلك من خلال الفحص الوثائقي والفحص المادي.
-1 الفحص الوثائقي :
ويتمّ في مجال فحص البضائع المحتواة في الحاوية عن طريق التأكد من تواجد وصحة رقم الحاوية على الوثائق "سند الشحن ، بيان الحمولة..." ، والتأكد كذلك من نوع الحاوية انطلاقا من رقمها ومطابقة الوزن الخام والوزن الصافي في سند الشحن أو التصريح المفصل ، وكذا مدى احترام المسار المحدّد من طرف إدارة الجمارك انطلاقا من التصريح بالقبول المؤقت أو العبور ، هذا التصريح هو الذي يسمح بتحديد المسؤول عن العملية والوسائل المستعملة في النقل .
إنّ التحكم في الفحص الوثائقي هو الذي يساعد إدارة الجمارك على تحديد الحاويات الّتي ستكون محل مراقبة مادية دون اللجوء إلى فحص جميع الحاويات الّتي تدخل الإقليم الجمركي نظرا لعددها الهائل.
-2 الفحص المادي :
بالرغم من أنّ مهمة تفتيش حمولة السفن القادمة إلى الموانئ البحرية من الحاويات أو تلك المعدّة لشحنها عليها من أرصفة الموانئ تعدّ مهمة أمنية عسيرة ، بسبب عظم حجم التبادل التجاري الدولي بصورة تفوق الأجهزة الجمركية على الفحص الدقيق للحاويات قبل إنزالها أو شحنها إلاّ أنّ إدارة الجمارك تسعى جاهدة لمراقبة أكبر عدد من الحاويات مراقبة مادية ، ويتمّ ذلك بحضور المالك أو ممثله القانوني.
هذه المراقبة تكون على المستوى الخارجي للحاوية حيث يتأكد عون الجمارك من الترميز والترقيم الخاصة بالحاوية محل المراقبة ومدى تطابقها مع الوثائق المرقمة كسند الشحن مثلا وكذا سلامة الختم الجمركي الموضوع. كما تكون على المستوى الداخلي ، وذلك بالاستعانة بالأجهزة الإلكترونية الّتي تعطي صورة واضحة عن مشتملات الحاوية دون فتحها عن طريق إظهارها على شاشات تلفزيونية ، حيث تمسّ التأكد من عدم حملها لأيّة مواد محظورة.
ومن الأجهزة التقنية المستعملة في مجال الكشف عن الحاويات جهاز الكشف الإشعاعي Le scanner وأيضا ما يسمّى جهاز "الأندوسكوب" الذي يستخدم في الكشف عن محتويات الحاويات الضخمة ، حيث يخترق الجهاز الحاوية من فتحات صغيرة في عدّة مواقع ، وينقل صورة لما يوجد بها من أشياء في حدود مساحات محدّدة على شاشة تلفزيونية تسمح للمراقب التعرف على محتويات الحاوية دون الحاجة إلى فتحها وهو جهاز يميّز بوضوح صورة البضائع المنقولة مما يسمح بسهولة التعرف على مضمونها .
وعند وصول الحاويات يجب على عون الجمارك مراقبة مطابقة عدد الحاويات المصرح بها في بيان الحمولة وما تمّ تنـزيله من على متن السفينة فعلا من خلال التعداد الدقيق حيث يبيّن :
- قائمة الحاويات وأرقام الختم الجمركي التابع لها والتأشير عليها.
- التأكد من كون الحاوية استُلمت في الإقليم الجمركي بنفس الحالة الّتي أُرسلت بها وتحديد رقم الختم الموضوع على الحاوية .
وفي وقت أصبحت المخاطر الأمنية المتعلقة بنقل الحاويات أمرا واقعا يهدّد النقل البحري وكل أنواع النقل ، أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريرا يوصي بإدخال التحسينات على :
- مسؤولية الشحن أو الجهات الّتي تعبئ الحاويات وتُعتبر صلة الوصل الهامة في سلسلة الإجراءات الأمنية للحاويات ، ويتعيّن عليهم المساعدة في وضع الاتفاقيات المتعلقة بتعبئة الحاويات ونقلها، وإحكام إغلاقها والمبادرة إلى البدء في عملية تعقب لجميع الحاويات.
- أمن الحاويات : إذ يتعيّن إحكام إغلاق الحاويات بأداة ميكانيكية محكمة الأمان وينصح التقرير بعدم الالتزام باستخدام الأقفال الإلكترونية الذكية في الوقت الحالي لأنّ التكنولوجيا لم تتعامل معها بعد ، وتطبقها على نطاق دولي.
- التوصيات والقوانين الدولية ، فيتعيّن أن تبذل سلطات النقل البحري مزيدا من الجهد من أجل التقيد بمعاهدة سلامة الأرواح في البحار "SOLAS" والمدونة الدولية لأمن السفن والمنشآت المينائية التي تنظم الإجراءات الأمنية بالنسبة للسفن العابرة للمحيطات.
خاتمة:
من خلال العناصر التي تمٌ التطرق إليها في البحث ، يمكننا الإنتهاء إلى:
أن الإمتيازات التي تؤديها الحاويات للنقل البحري و النقل بكل أنواعه، يدعو إلى ضرورة مواكبة النصوص القانونية لذلك من أجل تأطير استعمال الحاويات خاصة مع مشروع انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة من أجل تحقيق الحاويات لأهدافها وفي نفس الوقت ضمان سلامة النقل البحري.
أن عملية تسهيل التدفق الحر للتجارة لايمنع من اتخاذ الإجراءات الأمنية للتقليل من المخاطر الناجمة عن استغلال الحاويات لأغراض غير قانونية.
أن عملية مراقبة الحاويات تحتاج إلى عصرنة الوسائل الكفيلة بذلك، بمعنى استعمال الأجهزة المتطورة و نظام الإعلام الآلي لمراقبة تنقلات الحاويات، سواء عند دخولها إلى الموانئ أو خروجها منها و من ثم تبني التقنيات المعمول بها في مجال التجارة الخارجية و المطبقة على المستوى الدولي.
المعدلات العالية لتفريغ و شحن الحاويات تؤدي إلى ضرورة التقليل من الوقت الذي يستغرقه إبقاء الحاويات في تلك الموانئ من أجل الحد من الجرائم التي يمكن ارتكابها بواسطة الحاويات.

ابحث عن موضوع