بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أصول الفقه # 6 # عوارض الأهلية



 

أصول الفقه # 6 # عوارض الأهلية

(العوارض المكتسبة _ العوارض الغير مكتسبة)


 

الحمد لله الذى خلق كل شئ فأبدع وشرع لنا الدين ورفع الحرج ووسع وتخشع القلوب من ذكره وذو البأس تهمع

وصلاة وسلاما على بن عبد الله ذو الشرف الأسنع والجود الأسرع وشانئه هو الأشنع أسبغ الله الفضل من يديه فويق الطفل حتى يتسعسع صلاة وسلاما دائمين لا تتزعزع

ثم أما بعد:-


 

تمهيد

ذكرنا فيما سبق : أن الشرط فى صحة التكليف , كون المكلف أهلا لما يكلف به , وأهلية التكليف هذه تثبت للإنسان ببلوغه عاقلا .


 

وسنتكلم هنا فى مبحثين عن الأهلية وعوارضها :


 

الأهلية فى اللغة : الصلاحية يقال فلان أهل لعمل كذا , إذا كان صالحا للقيام به

الأهلية فى الإصطلاح : تنقسم الى قسمين : أهلية آداء و أهلية وجوب .


 

أهلية الآداء : هى صلاحية الإنسان لأن َيطالب بالآداء , ولأن َتعتبر أقواله وأفعاله

وتترتب عليها آثارها الشرعية , بحيث اذا صدر منه تصرف كان معتدا به شرعا , واذا أدى عبادة كان أداؤه معتبرا ومسقطا للواجب , واذا جنى على غيره أخذ بجنايته مؤاخذة كاملة , وعوقب عليها بدنيا وماليا وأساس هذه الأهلية هو التمييز لا الحياة .


 

وهناك أهلية آداء ناقصة ( تثبت للصغير المميز ) وأهلية آداء كاملة

( تكمل اذا ما كمل عقله بالبلوغ عاقلا ).


 

أهلية الوجوب : هى صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه أى صلاحيته لأن تثبت له الحقوق وتجب عليه الواجبات , وتكون هذه الأهلية عندما يصير الإنسان أهلا لما له وعليه .


 

وهناك أهلية وجوب ناقصة ( تثبت للإنسان فى دور الجنين ) وأهلية وجوب كاملة ( تصير كاملة بعد ولادته ).


 

عوارض الأهلية :


 

العوارض / هى موانع سقوط الحكم على المعين من جراء فعله .


 

أنواع العوارض : تنقسم العوارض الى قسمين :

الأول :
عوارض غير مكتسبة : وهى التى تثبت من قبل صاحب الشرع بدون اختيار الإنسان

  1. الجنون
  2. العته
  3. النسيان
  4. النوم والإغماء
  5. المرض
  6. الموت


 

الجنون : هواختلال العقل , بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل الا نادرا وهو نوعان أصلى وطارئ

الأصلى : أن يبلغ الإنسان مجنونا

والطارئ : أن يبلغ عاقلا ثم يطرأ عليه الجنون

ولا يؤثر الجنون بنوعيه فى أهلية الوجوب لأنها ثابتة على أساس الحياة فى الإنسان . الا أنه يؤثر فى أهلية الآداء فيعدمها لأنها تثبت بالعقل والتمييز فلهذا كان حكم المجنون حكم الصغير غير المميز فى تصرفاته وأفعاله .


 

العته
: هو اختلال فى العقل يجعل صاحبه قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير وقد يترتب عليه فقد الإدراك والتمييز وهو نوعان

الأول
: عته لا يبقى معه ادراك ولا تمييز وصاحبه يكون كالمجنون فتنعدم فيه أهلية الآداء دون الوجوب ويكون فى الأحكام كالمجنون .

الثانى
: عته يبقى معه ادراك وتمييز ولكن ليس كإدراك العقلاء وبهذا النوع

يكون الإنسان البالغ كالصبى المميز فى الأحكام فتثبت له أهلية آداء ناقصة .أما أهلية الوجوب فتبقى له كاملة وعلى هذا لا تجب عليه العبادات ولكن يصح منه آداؤها ولا تثبت فى حقه العقوبات وتجب عليه حقوق العباد التى يكون المقصود منها المال ويصح آداؤها من قبل الولى كضمان المتلفات


 

النسيان : هو عارض يعرض للإنسان فلا يجعله يتذكر ما كلف به وهو لا ينافى أهلية الوجوب ولا أهلية الآداء لبقاء القدرة بكمال العقل وهو لا يكون عذرا فى حقوق العباد لأنها محترمة لحاجتهم لا للإبتلاء وبالنسيان لا يفوت هذا الإحترام . وعليه لو أتلف انسان مال غيره ناسيا لوجب عليه الضمان أما فى حقوق الله فالنسيان يعد عذرا بالنسبة لإستحقاق الإثم فالناسى لا اثم عليه


 

النوم والإغماء : هما ينافيان أهلية الآداء لا الوجوب فما دام الإنسان نائما أو مغمى عليه فليست له أهلية آداء لأنها تقوم على التمييز بالعقل ولا تمييز فى حالة النوم أو الإغماء وعليه فلا يعتد بأقواله ولا يؤاخذ بأفعالة مؤاخذة بدنية , حتى لو انقلب على شخص فقتله لم يعاقب بدنيا لإنتفاء القصد منه لعدم تمييزه واختياره ولكن يؤاخذ مؤاخذة مالية اذا أتلف مال غيره ووجب عليه الضمان فى اتلاف النفس والمال .


 

أما فى العبادات : فان الآداء فى هذا الحال مرفوع عن النائم والمغمى عليه لأن كلا منهما يوجب تأخير الخطاب بالآداء الى وقت الإنتباه والإفاقة الا أن وجوب العبادة لايسقط لإحتمال الآداء حقيقة بالإنتباه والإفاقة أو القضاء بعد الإنتباه والإفاقة.


 

المرض : المراد بالمرض هنا غير الجنون والإغماء , وهو لا ينافى الأهليتين أهلية الآداء وأهلية الوجوب , ولهذا تثبت الحقوق له وعليه الا أن المرض يؤثر فى بعض الأحكام بالنسبة للمريض مع ثبوت الأهلية الكاملة له .


 

الموت : أخر العوارض الغير مكتسبة وبه يكون الإنسان عاجزا عجزا تاما يترتب عليه انعدام أهلية الآداء , فتسقط عنه جميع التكليفات الشرعية وأهلية الوجوب تنعدم أيضا على تفصيل .



 

الثانى : عوارض مكتسبة : هى ما كان للإنسان فيها كسب واختيار , وهى نوعان الأول :ما يكون من نفس الإنسان كالجهل والسكر والهزل . والثانى :ما يكون من غيره عليه وهو الإكراه .

  1. الجهل
  2. الخطأ
  3. الهزل
  4. السفه
  5. السكر
  6. الإكراه


 

الجهل : لاينافى الأهلية وانما يكون عذرا فى بعض الأحوال , وهو اما أن يكون فى دار الإسلام أو فى دار الكفر

ولأن فى دار الإسلام العلم فيها مفروض على أهل تلك الدار فلا يعذر المسلم بجهله الأحكام العامة الواضحة التى لا رخصة لأحد فى جهلها وهى الثابتة بالكتاب والسنة أو التى انعقد عليها الإجماع , كوجوب الصلاة والصيام , وتحريم الخمر والزنا وقتل النفس بغير حق وحرمة الإعتداء على مال الغير . وأما فى دار الكفر فلا يفترض العلم فيها , اذ هى ليس دار علم بالأحكام الشرعية بل هى دار جهل بها وعلى هذا اذا أسلم شخص هناك ولم يعلم حقيقة وجوب العبادات عليه كالصلاة ونحوها فلم يؤدها فانه لا يلزمه قضاء اذا علمها . وكذلك اذا شرب الخمر جهلا منه بحرمتها فلا اثم عليه ولا عقاب لأن المؤاخذة ولزوم التكليف يثبتان ببلوغ الخطاب اليه حقيقة أو تقديرا بشهرته فى محله ( دار الإسلام)


 

يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله :

" إذا وقع بالمرأة الطلاق الثلاث فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ولم يقل أحد من علماء المسلمين إنها تباح بعد وقوع الطلاق الثلاث بدون زوج ثان ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد كذب . ومن قال ذلك أو استحل وطأها بعد وقوع الطلاق الثلاث بدون نكاح زوج ثان فإن كان جاهلا يعذر بجهله - مثل أن يكون نشأ بمكان قوم لا يعرفون فيه شرائع الإسلام أو يكون حديث عهد بالإسلام أو نحو ذلك - فإنه يعرف دين الإسلام ؛ فإن أصر على القول بأنها تباح بعد وقوع الثلاث بدون نكاح ثان أو على استحلال هذا الفعل : فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كأمثاله من المرتدين الذين يجحدون وجوب الواجبات وتحريم المحرمات وحل المباحات التي علم أنها من دين الإسلام وثبت ذلك بنقل الأمة المتواتر عن نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام . وظهر ذلك بين الخاص والعام كمن يجحد وجوب " مباني الإسلام " من الشهادتين والصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت الحرام أو جحد " تحريم الظلم وأنواعه " كالربا والميسر أو تحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ." (1)


 

الخطأ : يطلق ويراد به ما قابل الصواب , ويطلق ويراد به ما قابل العمد


 

ويمكن تعريفه : بأنه وقوع القول أو الفعل من الإنسان على خلاف مايريده وهو لا ينافى الأهلية بنوعيها , لأن العقل قائم مع الخطأ .


 

ولكنه يصلح أن يكون عذرا فى سقوط حقوق الله تعالى كخطأ المفتى أو خطأ الذى جهل القبلة عن اجتهاد


 

وفى حقوق العباد , ان كان الحق عقوبة كالقصاص لم يجب بالخطأ لأن القصاص عقوبة كاملة فلا يجب على المخطئ لأنه معذوربالخطأ وانما تجب بالقتل الخطأ الدية لأنها بدل المحل المتلف . أما فى حقوق العباد المالية كإتلاف مال الغير خطأ فان الضمان يجب لأنه بدل مال وليس جزاء للفعل .


 

الهزل : أن يراد بالشئ ما لم يوضع له , وهو أن يتكلم الهازل بإختياره وهو عالم بمعناه من غير قصد لموجبه .


 

فهو يباشر العقود والتصرفات عن رضا وإختيار ولكن لايريد الحكم المترتب عليها ولا يختاره ولا يرضى بوقوعه . وهو لا ينافى أهلية الوجوب ولا أهلية الآداء , ولكنه يؤثر فى بعض الأحكام .


 

وخلاصة القول فى ذلك : أن التصرفات القولية التى تقترن بالهزل ثلاثة أقسام هى :


 

الإخبارات
: وهى الإقرارات والهزل يبطلها لأن الهزل دليل ظاهر على كذب ما أقر به فلا يعتد بإقراره .


 

الإعتقادات
: وهى الأقوال الدالة على عقيدة الإنسان والهزل لا يمنع أثرها ولهذا لو تكلم بكلمة الكفر هازلا صار كافرا مرتدا عن الإسلام وان كان الهازل لا يقصد الردة ولا يريدها . لأن التكلم بكلمة الكفر هزلا استخفافا بالإسلام والإستخفاف به كفر فصار الناطق بكلمة الكفر مرتدا بنفس الهزل وان لم يقصد حكمه قال تعالى
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (2)


 

الإنشاءات
: ومعناها ايقاع الأسباب التى تترتب عليها الأحكام الشرعية المقررة لها كالبيع والإجارة وسائر العقود والتصرفات . وهى نوعان :


 

الأول : لايبطله الهزل : كالنكاح والطلاق والرجعة , لقوله ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ (3) فهذا النوع يشمل التصرفات التى لا تحتمل الفسخ


 

الثانى : يؤثر فيه الهزل بالإبطال أو الفساد : كالبيع والإجارة وسائر التصرفات التى تحتمل الفسخ على التفصيل المذكور فى كتب الفقه المختلفة .


 

السفه : فى اللغة : الخفة , وفى اصطلاح الفقهاء : عبارة عن التصرف فى المال على خلاف مقتضى الشرع والعقل , مع قيام العقل ووجوده

وعد السفه من العوارض المكتسبة لأن السفيه يعمل بإختياره ورضاه على خلاف مقتضى العقل وهو لا ينافى الأهلية فالسفيه كامل الأهلية مخاطب بجميع التكليفات

الا أن السفيه يئثر فى بعض الأحكام ويظهر هذا الأثر فى منع المال عن الصبى اذا بلغ سفيها وفى الحجر على البالغ العاقل بسبب السفه .


 

السكر : هو زوال العقل بتناول الخمر , وما يلحق بها بحيث لايدرى السكران بعد افاقته ما كان قد صدر منه حال سكره .

فالسكر يعطل العقل ويمنعه من التمييز وبهذا تنعدم أهية الآداء ويسقط عن السكران التكليف ولا يكون مخاطبا بشئ حال سكره ولكن هذا ليس فى جميع حالات السكر فان كان السكر بطريق مباح مثل أن اذا شرب المسكر اضطرارا أو مكرها أو عن غير علمه أنه مسكر أو شرب دواء فأسكره فتنعدم أهلية الآداء ويسقط عن السكران التكليف

ويكون حكمه كالمغمى عليه فلا يكون مكلفا بآداء شئ من حقوق الله حال سكره ولا يترتب على تصرفاته القولية أى أثر , ولكن يؤاخذ ويكون عليه ضمان المتلفات نفوسا كانت أو أموالا لأن النفوس والأموال معصومة فلا تهدر ولا تسقط عصمتها لأى عذر كان .


 

أما اذا كان سكره بطريق محظور فقد جعلوه مكلفا ومؤاخذ بما يصدر عنه على تفصيل واختلاف فيما بينهم


 

الإكراه : الإكراه من العوارض المكتسبة لا من فعل الإنسان بنفسه ولكن من فعل الغير به


 

تعريفه : حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على ايقاعه ويصير الغير خائفا به


 

شروط الإكراه :

  1. أن يكون المكره " الحامل " متمكنا من ايقاع ما هدد به فان لم يكن متمكنا وكان الشخص الذى سيقع عليه الإكراه عالما بعدم مقدرته كان تهديده لغوا لا عبرة به .


 

  1. أن يكون الشخص الذى سيقع عليه الإكراه خائفا من التهديد وأن يفعل ما أكره به تحت تأثير هذا الخوف .


 

  1. أن يكون ماهدد به ضررا يلحق النفس بإتلافها او بإتلاف عضو منها أو بما دون ذلك كالحبس والقيد والضرب .


 


 


 

أنواع الإكراه :

  • إكراه ملجئ : وهو الذى يكون بإتلاف النفس أو بعضو منها , لأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس تبعا لها وسمى هذا النوع بالملجئ لأنه يلجئ الفاعل ويضظره الى مباشرة الفعل خوفا من فوات النفس أو العضو
  • إكراه غير ملجئ : وهو يكون بما لا يفوت النفس أو عضوا منها كالضرب أو الحبس .


     

والإكراه إما أن يكون قولا , كما قال الله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا (4) شريطة اطمئنان القلب .


 

وإما أن يكون فعلا , كشرب الخمر وأكل الميتة والخنزير فهذا يباح للمكره مباشرتها بل يجب عليه اتيانها فاذا امتنع اثم لأن الله تعالى أباحها عند الضرورة وتناول المباح دفعا للهلاك عن النفس واجب فلا يجوز تركه .


 

وهنا بفضل الله وجوده ومنته وكرمه نكون قد انتهينا من هذا الدرس وهكذا نكون انتهينا من الجزء الأصعب من أصول الفقه ويبقى لنا الجزء المهم والأسهل وهو"" أدلة الأحكام ""



 

والآن مع سؤال درسنا الحالى:

  • ما حكم من تكلم بكلمة الكفر هازلا
    ؟؟؟ مع الدليل


 

والله سبحانه وتعالى نسأل أن يوفقكم لما يحب ويرضى وأن يرزقنا وإياكم العلم الذى يتبعه عمل ويكونا خالصين له سبحانه

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 

(1) مجموع الفتاوى ج8 ص259 , الفتاوى الكبرى ج4 ص172

(2) التوبة

(3)سنن الترمذى

(4) النحل

0 تعليق:

إرسال تعليق